مقبرة الحب الأول

78 5 0
                                    

التفت زميلات عزة حولها ، دعمنها نفسيا ومعنويا ، لم يتركنها لحظة واحدة خصوصا فى الأسبوع الأول ، كانت أصعب أيام فى حياة عزة ، لم تجف دموعها لحظة واحدة ، كانت كل واحدة تبيت معها ليلة ، هونن عليها مصابها كثيرا ، لكن بقى فى القلب غصة وجرح لن يندمل ، وطعنة غير متوقعة ، طعنة كانت قاتلة ، طعنة ممن اتخذته سندا لها ، تحالف مع الزمن ضدها ، كال كل منهما لها الطعنات بلا رحمة ، حتى لم يعد بها مكانا لطعنة جديدة .

مرت الايام صعبة كئيبة على المجروحين لكنها مرت ، ومنذ متى وهى تتوقف حدادا لجرح كبير ، منذ متى توقفت الساعة احتراما لمصاب عظيم ؟ نحن فقط من نظن هذا ، نظن أن حياتنا توقفت أو ستتوقف بمغادرتهم ، وأن قلوبنا ستتوقف عن النبض ، لكننا وللعجب نحيى ، نحيى حياة الأموات ، تظل قلوبنا تدق لنتعذب ، بينما يحيا قاتلونا فى سلام ، وايديهم ملطخة بدماء قلوبنا ، أى قلوب تملكون ؟ الله المستعان عما فلعتم وتفعلون .

جاءت زميلات عزة لزيارها
عزة : فى جديد ؟
سلوى : لسة ، بس ما تقلقيش الإدارات كلها مقدمة شكاوى للوزير ، أكيد هيبقى فيها حل .
عزة : قربنا على التلات شهور إحنا زى ما إحنا .
منى : معلش يا حبيبتى ربنا فرجه قريب .
عزة : أعمل إيه دلوقتى ؟ الفلوس اللى عمر بيبعتها بتكفى البنات بالعافية ، بأضطر أجيب لهم كل اللى بيطلبوه عشان ما يبقاش حرمان من كل ناحية ..
مديحة : ما فيش قدامك غير إنك ترجعى تشتغلى زى زمان تانى ، لحد ما ربنا يفرجها .
عزة : أعمل كحك وقراقيش ؟
سلوى : أيوه ، هنرجع نعمل الجمعية تانى ، وخدى الاسم الأول واشتغلى على طول .
مديحة : دلوقتى عندك الوقت ، وما انتش خايفة من حد .
عزة : إزاى والبوتجاز بايظ ؟ ده غير انى لسة تعبانة .
سلوى : أنا هاجيب لك بوتجاز بالقسط من مرتبى من معرض السلع المعمرة اللى متعاقد مع الشغل وهادفع القسط لحد ما تشتغلى .
مديحة : وتقدرى تجيبى بنت تشتغل معاكى تساعدك وتقف هى قدام الفرن .
عزة : طب اجلوا الموضوع ده شوية .
مديحة : خير البر عاجله ، زباينك عمالين يسألوا عليكى .

وقبل مرور شهر بدأت عزة العمل من جديد بمساعدة هند وهى فتاة صغيرة أحضرتها لها سلوى ، اشتطرت عزة أن تكون يتيمة ، فقد عانت من اليتم ، اعتبرتها بنتا من بناتها ، كانت سخية معها للغاية ، فى حين اعتبرتها هند صديقة لها ومستودع لأسرارها .

عانت عزة معاناة شديدة بدون عمر ، كانت تشغل نفسها بالعمل الشاق طوال اليوم ، ورغم هذا يخونها عقلها ويفكر فى عمر ، أما الخيانة الأكبر فكانت من قلبها الذى ظل يحبه رغم عمق الجرح الذى جرحه لها ، كانت تظل متماسكة طوال اليوم أمام بناتها اللاتى التصقن بها ، وما أن تضع رأسها على وسادتها حتى تبكى بكاءا مريرا ، حتى يغلبها النوم ، أو تغلبها أفكارها فتظل مستيقظة طوال الليل أسيرة لها ، تسأل ألف سؤال وسؤال بلا إجابة ، حتى ذبلت عيونها ونحل عودها ، وأصبحت كعجوز فى الستين ، ليس فيها إلا عيون غائرة وقلب ينبض بالألم  ، وعقل مشتت يرفض تصديق الواقع  .

أما عبد الرحمن فقد شغل نفسه ببيوت الله ، كان يظل بها طوال اليوم أما إماما وخطيبا للفروض أو مصليا للنوافل ، أو معلما لحفظة القرآن ، وفى الليل يبكى كالأطفال ، يبكى غدرا لم يتوقعه ، وبيتا بناه بالاحترام والحب وهدمته الرياح الطائشة التى اقتلعت فى وجهها الأخضر واليابس ، لم يستح أن يبكى وهو الذى لم يبك من قبل إلا من خشية الله ، فقد كانت الطعنة أكبر من احتماله ، أصبحت نوبة البكاء هذه من الطقوس الليلية التى يبدأ بها ليلته ، كانت أحيانا تنتهى سريعا باستنكاره لها وذهابه إلى الوضوء ، يغسل بماء الوضوء دموعه ، ثم يصلى ويطلب من الله العوض والصبر ، وأحيانا أخرى كانت تغلبه دموعه فيعلو صوت بكاءه ، يبكى إلى حد النحيب بل والعويل ، وفى كل مرة تدخل أمه على صوت بكائه .
الام : يا ابنى حرام عليك نفسك .
عبد الرحمن : غصب عنى يا امى .
الأم : مش عايزة أشوف دموعك تانى .
عبد الرحمن : حاضر يا أمى ، بس ادعى لى .
آلام : ربنا يرزقك ببنت الحلال .
عبد الرحمن : ما اظنش هافكر فى موضوع الجواز ده تانى .
الام : ليه يا حبيبى ؟ تتجوز وتتهنى ،  تعالى ننزل الشرقية وأنا أجوزك ست ستها ؛ وبنات كمان .
عبد الرحمن : لا ست ستها ولا ست أبوها . 

انتهت شهور العدة و
انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن