مقبرة الحب الأول

89 8 0
                                    

عمل عزة حقق لها الاكتفاء المادى ، لكنه أرهقها بشكل واضح .
مديحة : مالك يا عزة ؟ شكلك مرهقة قوى .
عزة : ما بألحقش أنام فى الليل كله غير ساعتين ، وايدى وجعتنى قوى .
مديحة : يا حبيبتى معلش أكل العيش مر وولادك صغيريين ما ينفعش يساعدوكى .
سلوى : المهم عمر خد باله ؟
عزة : لا ، أنا باقفل المطبخ عشان الريحة ، وعلى طول مشغلة الشفاط ، مرة واحدة اللى سأل وقلت له إنى باعمل قراقيش لفطار البنات .
سلوى : ربنا يستر .
مديحة : مش ناوية تجيبي لنفسك طقمين خروح حلوين بقى ؟
عزة : هأروح بيهم فين ؟
مديحة : أى مناسبة تيجى على ساهية ، جوزك يروح متشيك كدة ، وانتى تلبسى أى حاجة .
عزة : عمر ما بياخدنيش معاه فى أى مكان .
سلوى : معلش ما تزعليش منى ، بلبسك ده عنده حق .
مديحة : يا عبيطة ما فيش راجل بيقدر ، حتى لو قيدتى صوابعك عشانه شمع .
سلوى : صحيح يا عزة ، بصى لروحك شوية ، واهتمى بنفسك ، هاتى لبس خروج ، ولبس بيت ، وقمصان نوم .
صمتت عزة ودمعت عيناها ثم قالت : عمر ما قربليش بقاله أكتر من ست شهور .
سلوى : أكيد مهملة فى نفسك فى البيت كدة برضو .
عزة : أبدا والله ، انتى عارفة أنى ممكن انشغل عن الدنيا بحالها إلا عمر ، كل ليلة ألبس وأتشيك وأفضل أستناه يخلص شغله ويدخل على طراطيف صوابعه ، فاكر إنى نايمة ، وإن خلص شغله بدرى يستغل انشغالى فى مراجعة دروس البنات ويدخل ينام من الساعة 8 .
مني : ما تدى البنات دروس ، انتى هتعملى إيه والا إيه ؟
عزة : عمر خد على إنى أنا اللي باذاكر لهم ، لو قلت له ياخدوا دروس هيقول إيه اللى جد ، مش عايزاه ياخد باله .
مني : أقول لك على حاجة وما تزعليش .
عزة : قولى .
سلوي : مش يمكن فى حياته حد غيرك ؟ طالما بتحبيه الحب ده كله ومش حاسس بيكي يبقي في حد غيرك .
عزة : لا أنا متأكدة من إخلاصه ، عمر بيرجع كل يوم فى ميعاده ، عمره ما بات برة .
مديحة : طب قلقانة ليه ؟
عزة : أصله معايا ومش معايا ، عمره ما كان كدة .
مديحة : طب خدى بالك من نفسك شوية ، شكلك بقى زى اللي عندها خمسين سنة ، جايز ده اللى باعده عنك .
عزة : حاضر .

زميلة 1: ايه يا سميرة ده ؟ جسمك زاد قوى .
زميلة 2 : أكل وراحة يا حبيبتى .
سميرة وهي تشير بيدها : الله أكبر .
زميلة 2 : ايه هتنكرى ؟ بتروحى تلاقى البيت نضيف ، و أكتر الأيام جوزك بيجيب الأكل جاهز انتى اللى قايلة .
زميلة 3 : يا بنت الإيه يا سميرة ، عملتيها إزاى دى ؟ ده أنا لو جوزى عملها مرة بيفضل يذل فيا شهر .
سميرة : أعمل له إيه ؟ الفلوس معاه بتقرصه ، إن قلت له شيل حاجة للزمن يقول اللى هيدينا العمر مش هيدينا الرزق ، كل اللى جاى له بيصرفه علينا وعلى أهله ، أنا بقى مهمتى إنى ما أخليش حاجة تفيض لأهله .
زميلة 1 : دماغ شياطين .
زميلة 2 : طب والنبي قولي لي الوصفة .
سميرة : لازم يبقي عندك رجل عاشقك زي عبد الرحمن ، تقدري حتي وانتي مبوظة الأكل يسمع منك ويطاوعك .
زميلة 3 : و ده نلاقيه فين ؟
سميرة : في السوبر ماركت .
ضحك الجميع .

جلست عزة تراجع مع بنتيها دورسهما ، كانت تذاكر لإيمى مادة الانجليزى رغم أنها ضعيفة فيه .
عزة : يرسم دراوو
إيمى : يرسم دراوو
كررتها إيمى أكثر من مرة .
تصادف هذا مع مرور عمر من الصالة لدخول الحمام ، فسمعها فاقترب منها وقال ثائرا : يرسم دروو مش دراوو ، مش عارفة ما تضليش البنت وتعليمها غلط .
عزة : على قدى .
عمر : نسيت إنك دبلوم .
نزلت الكلمة على عزة كسكين حاد نحرتها نحرا ، لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ، طلبت من ابنتها أن تنصرف ووعدتها بالاستكمال فى الغد ، وانسحبت إلى المطبخ بهدوء أكملت مهامها به ثم دخلت حجرتها مكسورة حزينة ، ظلت طوال الليل تتقلب على جمر ، لم تستطع ان تنام من قسوة الكلمة التى اعتبرتها معايرة من عمر لها ، كثيرا ما لمح عمر بتنازله بالزواج منها وهو مهندس مدنى وهى حاصلة على دبلوم تجارة ، والأقسى أنه كان يلمح أحيانا إلي افتقارها للجمال الذى كان يرغبه فى شريكة حياته ، حيث كانت عزة متوسطة الجمال ، فهى قمحاوية البشرة ، بيضاوية الوجه ، صغيرة التقاطيع ، نحيفة القوام ، لكنه لم يعايرها بهذا الشكل الصريح أبدا .

ظلت عزة متماسكة حتى ذهبت إلى العمل ، وهو المكان الوحيد الذى تستطيع فيه البكاء والبوح بهمومها ، وما أن وقعت فى دفتر الحضور وألقت تحية الصباح على زميلاتها حتى انفجرت فى البكاء .
انتظروا الحلقة القادمة بإذن الله

مقبرة الحب الاولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن