مرة أخرى رأت في منامها ذلك الظل الغريب يدنو منها أكثر فأكثر كما لو أنه يرتدي قلنسوة سوداء قاتمة تتدلى منها تلك الخصلات البيضاء التي تكاد أن تكون عديمة اللون ، كانت في حالة ذهول ولا تنفك عن التحديج به دون أن تنبس بحرف أو أن تقوم بفعل ، ليهمس بهدوء قائلاً:
-شاي ويلسون مسموم ، وحب أميرة كين مزيف .لتجفل وتمسك بطرف رداءه كما لو أنها تتوق لسماع تكملة لهذه الكلمات الصغيرة التي ترى أنها ستقر عينها وترشدها لحل تلك اللعنة المجنونة التي لم تجد وسيلة لحلها فيردف:
-كلهم دمى تافهة واهنة حُركت من قِبل مجنون نوى غدر هذا السليل الأخير.
ثم يتلاشى بعد قول تلك الكلمات المعدودة بنبرة علاها الغضب واليأس ، لتفيق وينتهي ذلك المنام الغريب بمفاتيح للنجاة ، شعرت ببعض الخوف والكثير من الإطمئنان فلعلها تجد حلاً لهذه اللعنة التي حلَّت بأساً ولم يعلم عنها من ابتلي بها!.
••
-عمَّا تتكلمن؟ ، ولمَ طردَتها الأميرة بالتحديد؟.
سأل مستغرباً بعد أن سمع من الخادمات أن الأميرة الرقيقة غضبت من خادمة وطردتها من الغرفة لتجيبه إحدى الخادمتين مطأطأة رأسها:-في الواقع قد كانت تنقل القيل والقال لها مما سمعت من الناس حينما كانت تضطرب في المدينة معهم ، ولكن بعد ذلك إعتذرت لها وقررت الأميرة التغاضي عن الأمر على أن لا تكررها.
*لانستطيع اخبار جلالته بسخف ما قالته عنه*
-حسناً ، إنصرفن لأشغالكن.ليخرجن عائدات لما كن ينشغلن فيه ، ولتبدأ بعد إنصرافهن عاصفة أفكار تعصف بعنف عليه جراء ما نقلنه له.
*طردتها وأبدت تعبيراً غاضباً كذاك فقط بسبب إشاعة تافهة تتكلم عن إعدامي للناس دون مبرر.
ولكن ...
لمَ؟
أهي خائفة أم قلقة؟ ، بالحديث عن الخوف ، ظننت أنها تخطت ذلك منذ فترة لذا لا يساورني ولو إعتقاد ضئيل بأنها خائفة ، لكِن القلق ليس بخيارٍ منطقي بالنسبة لفتاة تعيش تحت مسمى "الأرستقراطية".*تنهد تنهيدة عميقة كما لو أن روحه تنهدت مع جسده في حينٍ واحد ، وعاد إلى الوراء مسنداً ظهره على الكرسي وإبتسم لبرهة وأردف :
-لكنها حقاً كانت رائعة وشجاعة في ذلك اليوم ، وأما عن سبب غضبها بشأن الشائعات فما من خيارٍ لدي سوى التخيل وإعطاء الإحتمالات ، أنا حقاً لا أدري متى سأتمكن من التحدث بوضوح أو السؤال بشكلٍ مباشر!.
إختفت إبتسامته الدافئة وعاد لتعبيره الجاد واستمر:
-والآن ، عليّ أن أنهي هذه الوثائق بسرعة وأطلع على غيرها من الشؤون.
وبينما هو يجمع الأوراق بهدوء ليبدأ في عمله إقتحم ذلك الرجل جاحظ العينين عريض المنكبين أكحل الشعر مكتبه وجثا على ركبتيه جثياً قائلاً بعلو ما منح من صوت:
-جلالة الملك الواعد والشمس المستقبلية لجيمان إعذرني عمَّا بدر مني وإغفر غلطتي أرجوك.
- ماذا هل تتحدث معي يا من لا يؤدي الإحترامات من الأساس؟! ؛ شمس؟ ، ملك واعد؟ ، لا تكن سخيفاً هل تتحرق شوقاً لمعرفة ما يرسل إليّ من الممالك الأُخر أو خطواتي القادمة كي تتملقني بهذه الكلمات الركيكة؟.
-لا سموك هذا مستحيل كل ما في الأم-
-أُخرُج.
قاطعه بكلمة واحدة وحملق صاباً كل غضبه في تلك النظرة ، ووقف مشيراً له بالخروج توكيداً على أمره وخرج الآخر مذعناً لكلامه دون أي إعتراض فقد كانت ملامح الذعر تظهر عليه كما لو أن له سراً خفياً قد كُشف كما لو أنه لا يطيق أن يبرح من جوار ذاك الأمير سعياً لهدفٍ ما ، أما الأمير فقد كان يحترق غضباً مظهراً كل ملامح الكره والبغضاء ، متجاهلاً أن ذلك الرجل من سلالة كانت كسيف العلم الذهبي وجدار المعرفة الملكي بالنسبة لعائلة جيمان على مر العصور ، متجاهلاً أنه ذا علمٍ واسع وكبيرٌ في السن ، متجاهلاً أن والده كان مستشار الملك سابقاً ، ومتجاهلاً أنه المستشار الملكي الذي يفترض أن يسانده!.
كان يستطيع تحمل كل شيء في العالم وكل ضربٍ من ضروب الألم ولكنه يكره القلوب المحتقنة السوداء التي تحيط به فتعكر صفوه وتنغص يومه ولربما قد تبلغ قلبه وتنشر فيه من سُمها! .
وبعدها حظر الفرسان محاولين تهدئته وطلب العفو منه ، ولكنه لم يبالي و صرخ قائلاً:-إذا كنت سأكون بهذا التصرف أكثر طغياناً من ذلك الطاغي الألماني الجبار ، فلتشهد جيمان وكل ما فيها من حي وميت من إنسٍ وحيوانٍ أني أطغى الخلق!.
خرج من مكتبه متجاهلاً لكل أحاديثهم وإلحاحاتهم المتعبة ، أراد الخروج من القصر وفي طريقه لقي الأميرة فألقى التحية محاولاً عدم صنع تواصل بصريّ معها كان يخالجه ضيق حينما يراها في بعض الأحيان ، ليس لأنه لا يطيقها أو لا يأمل لها لقاءً ، بل لأنه يشعر أنه أثقل على كاهلها بإدخالها لهذا القصر الملكي وهو يملك سمعة وحشية كهذه ، وأفعال جريئة كتلك! ، لقد كان يتصرف طوال حياته كشخص ينظر بعين الصواب بغض النظر عن أسلوبه في التطبيق ولكنه لم يدرك أنه سينزعج كثيراً من ذلك إلا متأخراً . و مضى في طريقه محاولاً لتجاهل الشجن الصامت الذي يحرق فؤاده بهدوء .
أنت تقرأ
آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopes
Mystery / Thrillerهل كل الواقع حقيقي؟ ، وهل ما تراه حدث حقاً؟ . و عندما يكون عدوك في "نفسك" ما الذي ستقوم به كي تجابهه؟ ، هذه الرواية تجسد معاناة بشرية بطابع فيكتوريّ . "فيوليت" في حين قصير وجدت نفسها خطيبة ولي العهد المكلل بالأسرار والمؤرق بالهموم ، و من ثم تبين أن...