سأذود مستبسلاً! Ch15

31 6 29
                                    

•الإنتحار
ما أجمل بذل الذات الذي يكون أحياناً منقذ العليل من علته ، فحينما تكون تلك النفس هي أساس الخراب ، عندما تتقطع كل الأسباب لا نجد حلاً عدا قطع الجذور ، فمهما كانت السبل لن تكون مثل قتل الأساس والخروج بأقل عدد خسائر ممكن أوليس كذلك ؟ .

عقد حاجبيه وأغلق الكتاب بغضب بعثر شعره بكفه الأيمن فقد تمكن منه الغضب الصامت الذي لا يتيح له الصراخ كي يعبر وأردف:
-لمَ هذا الكاتب يحب اللف والدوران ولا يؤدي بي إلى نتيجة مرجوة؟ ، لمَ هذا المد والجزر الذي لا أساس له؟! ، حتماً أنا أبحث عن جوابٍ كي أحميها فلمَ يتهافت بكلامٍ خالٍ كهذا؟! كم أهوى المختزل البين .
لم يحس بأي راحة وألقى بصره حوله في أرجاء غرفتها وعادت إليه ذكراها متمنياً أن لا تكون ذكرى بل واقعاً ، فخيل له رؤيتها واقفة تدعوه باسمه حيناً وبجيمان حيناً آخر ، وتذكر قراءتها الدائمة ، كانت تقرأ بكل الأحوال وكانت كل هذه الكتب قد مرت عليها ، ولكن لحظة .. كل الكتب حقاً؟ ، حتى هذا الذي كان يقلب صفحاته للتو؟ ، هذا الذي يشبه التحفيز على الإنتحار أكثر من كونه سبيلاً لفك معضلة؟. وقف جافلاً وحدق في الكتاب المغلق أمامه وحدق في المكتبة ، رفع عينيه في كلاهما ، كما لو أنه رآها تحمله قبلاً؟ هذا ليس احتمالاً بل هو يقين!.
*كلا... كلا! .

هي ليست من ذلك النوع لا أصدق!*
صمت قليلاً وأردف:
*ولكن تلك الفتاة التي بادلتني الصبو وارد أن تفعل ذلك ، أعني.. لو واجهت ذات المشكلة كنت لأفعلها!.*
-تباً! .. تباً!.
ماذا أفعل بحق الله؟ .
أأغيب عنها كي تنساني فما بعد عن العين بعد عن القلب؟

-مالي أراك حائراً مهتاجاً أيها المهق؟.
أردف وقد ظهر من العدم بصوت مدوي مرعب ، ذلك الظل الأسود الذي لا يألفه البشر ، كان مألوفاً لأليكسيس ، رفع رأسه باسماً وأجاب بصوت جهوري:
-لم أرك منذ زمن .. "جوداس" ، لقد احتجت وجودك .
-أهذيانك هذا تأثير هجر محبوبتك لك؟.
-محبوبتي غادرت لأيام وهذا مؤسف ، ولكن يتيح لي التّصوُّت والدويّ هنا فإما أن تُقتل أو تنهب ، ما رأيك جوداس؟ .
-أولن تموت أبداً؟.
-إنها بدايات عقدي الثالث وحسب .. أمامك كد دون حد!.
-أشك في ذلك..
-لقد دفعت ذلك العجوز إلى الجنون بسبب رغبته في دحرك ، ولكن ما علاقة "فونهان"؟! .
- ببساطة إنها داعمة لك ، وأنت مازلت طاغياً ، أنهيته تحت نصلك مجدداً. أتخال انك ستلقى نعيماً ببطشك هذا؟!.
-لست جاهلاً بأفعالي ، وأعي أني لم أقدم على ظلم.
-سنرى إلى متى سيصمد موقفك هذا ، أتزعم الآن أنك كفء لتحكم المملكة وأنت لم تكتشف سر موت والدك بعد؟.
-أتحب أن أحرقك مجدداً؟.
-أأنت مؤهل لها؟.
-ماذا؟!.
إضمحل الظل بعد أن أشعل فتيل هاجس في نفس  الآخر ، وقف ينعم التفكير .
-ربما هو محق لأول مرة ... فما علاقة فيوليت بسلسلة العذاب هذه؟ ، لو أني علمت بأن هذا الشيء حقيقي ويقصد قتلي لما كنت لأقابلها حتى أقتله ؛ ولكن الأوان قد فات ولا أدري كيف سأتحرر من هذه المعضلات الآن ، فيوليت وبينلوب ، مرضي ، مرتزقة الحدود ، وذكرى وفاة أبي اقتربت ! .
زفر بعسر ، وخرج من الغرفة وتوجه إلى غرفته ، تلك التي تقع في آخر القصر بعيداً عن أي أحد ، لا فارس أو خادم يتجه إليها إلا للطارئ ، ذلك بسبب ذلك "السّر" الغير معقول الذي كان يضطرب هناك كل ليلة .

في اليوم التالي كان يبدو على ولي العهد طيفُ إرهاق كما لو أنه لم ينم الليل ، هالاته تكثفت ومزاجه سيئ ولكنه كان هادئاً نوعاً ما كلون الزي الرمادي الذي كان يرتديه ، قرع باب مكتبه في الصباح الباكر وكان الدوق إسكانير أردف أليكسيس بكلماتٍ شحيحة:
-ريكورديان إسكانير.
-تسرني رؤيتك ، جلالتك ..
-أهلاً.
-لقد نفذت المهمة التي أمرت بها.
-دعنا منها الآن .
-حسناً .
-لدي شيء آخر أريد توكليك به الآن...
-سمعاً وطاعة .
-لدي مستندٌ فيه مجموعة اسماء أريدك أن تتكفل بالتحقيق حولها.
-هل للأمر علاقة بكونتية تايلور؟.
-كلا كلا ، ولكن لا أكره أن تلقي عليهم التحية بالرغم من كونك مشغولاً بدوقيتك.
*..سيكون ذلك ضربة قاضية لكرامة الكونت.*
-ربما...
-إذهب إليهم بصفتك الدوق إسكانير واسأل والدك عن حاله ؛ يجب أن تسأل عنه على أي حال ..
تردد الآخر وألقى بصره إلى الأسفل وتشردت نفسه لبرهة تذكر كل تلك الأعوام التي لاقى فيها المرّ بسبب كونه ابن الكونت الأصغر ، ومن ثم عاد إلى الحاضر محدجاً بالأمير الذي استدار محدقاً بالنافذة في صمت وعلامات الذبول بادية على محياه إنحنى الآخر وأردف:
-جلالتك... سمعاً وطاعة سأنفذ ما تريده حتماً .
-حسناً إسكانير.
بِيضُ النواصي ، شاحبو الأنفس والوجوه ، فارغي العيون مملوءي العقول ، عابسي الثغور كاسفي الشعور ، أحدهما دوقٌ لطخ ماضيه حاضره ، والآخر أميرٌ لَطَخ مستقبلهُ حَاضِره وماضِيهِ معاً.
خرج هائماً في أفكاره يحدق بالفراغ بعينيه القانيتين الفارغتين ، وسأل نفسه فجأة :
-هل جلالته بخير؟.
إنه بطلي فكم من المؤلم رؤيته واجماً في أفكاره دون قدرتي على سؤاله عن حاله.. ربما إنفاذ ما أمر به يمكن أن يكون ذا نفع !.
وهمَّ مندفعاً بملامحٍ تشبه الأطفال بذلك الإصرار الذي انتابه فجأة حتى أنه اصطدم بآردين وإعتذر وإنصرف مهرولاً كالأحمق.

طُرق الباب بعنف فجأة وقاطع سيل أفكاره تنهد وأردف :
-من؟!.
*هو ليس ريكورديان أوليس كذلك؟*

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن