مدوية فتاكة | Ch3

261 21 0
                                    

إنتهى حفل الخطوبة على وتيرةٍ هادئة ووقع خفيف ، مع أنه قد حوى لقاءاً غريباً نُحِت في نفسها ، كانت تعلم أن كل فتاة أرستقراطية عليها الزواج ولكن كل رجال جيمان عاديون إلا هذا! ، ومال هذه الفتاة تتزوج رجلاً مخيفاً كهذا؟! ، كانت تشعر بكثير من الخوف حتى ساد شعور الخوف كل شيء آخر فوجدت أن الليل قد أقبل ، وغمر غرفتها الجديدة بظلامه ، وأصوات الخادمات الشخصيات الثلاث الجدد تقترب من الغرفة مع وقع خفيف .  أمضت النهار في التعرف على غرف القصر بعد إنتهاء الحفل ، فتعرفت على كثيرٍ من الناس فألفت منهم وكرهت منهم ؛
كان منتصف الليل قد حل بالفعل ، ولكنها لم تتمكن من النوم بعد وضعت معطفاً على كتفيها وقررت أن تخرج.
كان اسمه "أليكسيس جيمان"
شابٌ في الثانية والعشرين وآخر وريثٍ لدماء العائلة الملكية ، عرف بحدة ذكائه وبشخصيته القيادية وصعوبة مزاجه ، وبأنه قاسٍ وحاد أشد القسوة وأشد الحدة ، مات والده الملك قبل أن يتم عقده الأول فاعتقد الأغلب أنه قاسٍ لهذا السبب . كان كل ذلك يهون لولا أغرب ما دار حوله هذه الأيام و ما جعل الجميع يرتابون منه هو أنه لم يرتبط سابقاً ولم يقبل بأي عرض زواج فاستغرب الملأ خطبته ل"فيوليت سميث" المفاجئة.
كانت الأفكار تتزاحم في رأسها ولكنها قررت أن تتجاهل كل شيء وأن تمضي ، شردت وهي تتأمل تلك الإطلالة المميزة وكيف أن ضوء القمر عكس على بحيرة القصر المزدانة بالزهور ، لقد كانت منذهلة حقاً!.
وفجأة تلاقت عينيها مع عينين زرقاوتين تبرقان بريقاً آسراً ، زرقاواتان كلون البحر ، لامعتان كالألماس أو أشد لمعاناً ، تهوى النفس حفظ مظهرها في ذاكرتها أبد الدهر ، شردت متأملة لهما وتلك العينين الساحرتين تتأمل متأملها أيضاً ، ألفت واستمتعت بالنظر إليها ، وعمَّ الهدوء لبرهة كما لو أن هناك حواراً روحياً يحاور ، و كأن العالم توقف للحظات ، أو كأنها خرجت من نطاق الحياة في تلك اللحظات ، وقلبها جن ، و بدا كما لو أنه يبحث عن الهواء في هذه الحديقة الفسيحة المزدانة به!. ولكنها ما كانت لتأخذ حظها في التأمل لو علمت صاحب تلك العينين ، وأصادف أنه نفسه ذلك الشاب الذي إقتحم حياتها فأرهقها تفكيراً؟.
تراجَعت و ألقت التحية متوترة ، وما كان هو الآخر هادئاً ، بل ورد عليها بنفس كمية التوتر ، سأل وهو يتجنب النظر إلى عينيها:
-لِمَ تَخرج الأمِيرةُ فِي هَذا الطَقس البَارد؟.
-اهٍ ، لم أستطع النوم فقررت التنزه لكنني لم أعلم بأنك هنا ، استأذنك سموك واعذرني على إزعاجك.
أردف ومَلامِح التفاجُئ تَعتلِيه :
-مَا مِن داعٍ فأنتِ لا تُزعجِينني! إبقي هُنا إذَا أردتِ!.
-اوه.
*أنا أبدو كغبية*
قَررت أنْ تَتجَاهل خجَلَها و تَبقَى كَي تتأمَل تِلك الإطلالة ، فَقَد إنعكَس سَنَا القَمر عَلى البحَيرة والزُهُور فجَعَلهم وكَأنهم يضِيئون فكمَا لَو أن هُناك سِحراً خَفياً يَتَلاعَب بِهم!.
وَلكِن...
صَمتَهُمَا كَان مُريباً بَارِداً ، لِحَدِّ أنَّهُمَا لم يَنطقا ولَو بِحرفٍ واحِد! ، وبَعدَ مَشقَة لَفَظ الأمِير:
-أنتِ...
-سَمعاً سمُوك.
-لَا تكُونِي رسمِية هَكَذا كمَا لَو أنِي أُحَادِث فَارسَاً! .
فأجَابَت مع إبتِسَامة:
-اوه .. لا بَأس .
- صِدقاً وبِغَض النَظَر عَن رُتبَتِي لأنِي أعلَم عِلم اليَقِين أنَّ الرُتَب لَا تعَني لكِ شيئَاً ، الأمْرُ هُو : هَل أنتِ حَقاً راضِية عَن هَذَا الزَواج؟.
صُعِقت بِالسُؤال ، ولَم تَجد جَواباً جَيدَاً صَادِقاً لِتُقنِع نفسهَا كَي تُجِيبَهُ بِه! ، فهِي لا تجِدُ سَبَباً يُمَكِنُهَا أنْ تَتَخِذَه حُجَة اِحْمَرَّ محَياها وأردَفَت وهِي تُرجِع خُصُلَاتِهَا الذَهَبية إلَى الوَرَاء:
-أنَا ...
-فَيوليت ، أنا لا أعَضْ.
قَاطَعَهَا بنَبْرَة ساخِرة ليُحَال كُل خَجَلِهَا إلَى ضِحْكَة ووجهها المحمر إلى آخر باسمٌ مشرق وتُردف:
-حَقِيقَةً ، لَا أجِدُ ضَرَّاً فِي الأمْر ؛ وكانَ عَلي الزَواج يوماً مَا كأيّ فَتَاة أُخرَى.
-بِغَض النَظَر عَن هَوِيّة أو مَشَاعِر الشَخْص الذِي سَتقْبَلِينه؟.
-النُبَلاء لَا يُفَكِرون فِي المشَاعِر .
-هَؤُلاء هُم! ولَيسوا أنتِ! ، بِمَ تَشْعُرِين أنتِ؟.
صَرخ بِغَضَبٍ هِيستِيريّ ، فَمَا كَادَت تُحَافِظ عَلى ثَبَاتِها وكَيف تُخْبِره بمَا تَشْعُر وهِي لَا تَمْلِك أي سَببٍ سِوى والِدِهَا؟. هكَذَا فَكَرت ولَمْ تَجِد جًواباً غَير النَفِي.
-لَستُ أدْرِي صَدِّقْنِي!.
-لَا بَأس ؛ آسِفٌ لأنِي رَفَعتُ صَوتِي.
-حَسَناً ، أنَا أيضَاً كُنتُ مُخطِئة.
ركَد النِقاش بعْدَها وخَفتْ حِدَتُه وتضَائَل حَتى إضْمَحل وبَعد أن أصِيبت بِالنُعاس قَررت العَودة ، فودَّعَها بِإبتسَامة ، ومَضت صَوبَ غُرفَتِهَا .
كَانَت لَيلَةً ضَاجَّةً غَريبَة ، سَمِعت فِيهَا كُل الأصوَات ، وكَان أغْرَب مَا سَمِعَت ومَا رأت كَان تِلك النَفس الغَريبَة التِي تَخْنُقُهَا وتُحِيطُ بِهَا أحياناً قَائلَة ومُرددةً تِلك الجُمْلَة المُزعْزعَة لِلنفُوس :
-إنَّهُ إثْمٌ فِي عُنُقِك.
لِتَسأل بِكُل خَوف مَحَاولَة التَمَسُك بِآخر سبُل الشَجَاعة:
-أيُّ إثْم؟.
لِيُردِف بِتِلك النَبرةٍ الحَادة :
-إثْمُ نَفسٍ مَلعُونَة.
دَوَّت الجُمْلَة فِي نَفْسِهَا ، وبَدَت كَمَا لَو أنَّهَا عَلِمت عَن أيْ شَخصٍ يَتَكَلم لِتَسأل بِوُجُوم:
-أمْيرُ جِيمَان؟.
لِيُقَهقِه ويُومِئ إيجَاباً ويَتَلَاشَى .
حَلَّ ذَلِك عَلَى نَفسِهَا كَالفَاجِعَة ، ولَا أحَد يَعلَم كَيف شَدَّت بَأسَهَا فِي تِلك اللَيلَةِ العَصِيبة .
عَصَفت التَساؤلات ذِهْنَهَا فَور مَا أفَاقَت ، فَمن ذَا الذِي لَن يَعجَب؟ ، أتِلك النَفسُ القَويَّةُ مَلعُونة؟ ، بأيِّ حَقٍ هِي كَذَلك؟! ، ولَكِنهَا لَم تَعُد تُريدُ أيَّ شَيء آخَر ، سِوَى فِكِ تِلك اللعنَة ، لِتُردِف وهِي تُحَدِّق بِالمِرآة وتَمْسَحُ دُمُوعَهَا :
-لأفُكَنَّهَا! ، فَهَذِه النَفس لَا تَستحِق تِلك الأذِية ، وهَذِه النَفس هِي أمَلُ المَملَكَة الأخِير ، فَكَيف لِي أنْ أسكُت عَلَى ظُلمٍ كَهَذَا؟.

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن