دَأبُ ضَنِيّ | CH 12

55 11 5
                                    

وبعد أن عادت لقصر جيمان الرئيسيّ ذهبت إلى مكتبه شخصياً بكل ثقة ، لأن هذا اليوم هو يوم غياب كل الخدم والفرسان ، لايوجد أي أحد سوى بضع خدم المطبخ الملكي والخدم الشخصيين ، طرقت الباب وأذن لها بالدخول بألفاظٍ شحيحة توحي بأنه قد بلغ من الجد موضعاً يشغله عن كل ما حوله وقد كان فعلاً وسط كم مكدس من الأوراق والمستندات لحد لا يسمح له بالنظر بعيداً .

-كيف حالكِ دميتي؟.

-أنا بخير ، وأنت؟.
*دمية ..*

-أنا بخير كما ترين.

كان يتحدث معها وهو يدير ظهره وينظر في كل الإتجاهات كل ذلك فقط لأنه إنشغل مع الفرسان في اليومين الماضين!.

-ا...
عذراً...
*كيف أحادثك هكذا؟!. إستدر وأنظر إلي قليلاً أيها الجيمانيّ الكبير المزعج!*
إستدار وهو باسمٌ يكتم ضحكته ، ثم تقدمت وإنتزعت الأوراق من بين يديه ، وأردفت غاضبة:

-مالذي سينفعك من خطابات الممالك الأخرى؟ ، أنت ترهق نفسك وتسعى جاهداً لجعل وجهك يزداد شحوباً!.

-أنتِ محقة! ، سأتركها الآن!.

كان يرسم إبتسامة متبلدة ولكنه لم يفهم لمَ هي غاضبة نوعاً ما ، إرتبك. وأما هي كانت تظهر وجهاً غاضباً كاظمة غيظها ، وهو يسألها ما بها وهي لا تجيب.

-فيوليت؟ ، تكلمي مابكِ أمِن خطبٍ ما؟ .

-هل تشعرين بالملل ؟ أم الوحدة؟ ، هل أغضبتكِ في شيء؟.

- أنا أعتذر ، أنا آسف.
*أيها المجنون ، لمَ تعتذر عمَّا لا تدري عنه!.*
رفعت رأسها وصنعت تواصلاً بصريّ بينهما ، وأردفت :
-لقد علمتني أن أكون واضحة وصريحة عندما يكون هناك خطب ينشئ الشكوك ويؤذيني ويؤذيك .
-أانتِ حقاً تتذكرين ذلك؟ ، وإذن أبيني .
-قد قابلت جلالة الملكة كريستين صدفةً وأنا أتنزه في الحديقة الملكية ، وانتهى الأمر بدعوتها لي بشرب الشاي ، لقد كانت قلقة ولا تنفك عن السؤال عنك ، فهل لي أن أسأل لمَ إنفصلتما بسهولة ؟!.
-أُمي دعتكِ لإحتساء الشاي ؟ ، أتعلمين أنكِ الأنسة الوحيدة في المملكة التي تحظى بهذه الدعوة؟ ، سأخبركِ بالطبع ولكن قبل ذلك دعيني أسألكِ عنها أكانت بخير ؟ ، كيف كانت أحاديثها ؟ ، أابتسمت أم لا ؟.
تذكرت آنذاك سؤال الملكة لها عمَّا إذا كانت تريد الإنفصال عنه ودعوتها له بالمتحجر وعلمت أن إخباره الآن سيفسد كل ما كان تغزله ، ابتسمت بتبلد واردفت :
-أوه إنها بخير .
*دعنا ننسى ذلك الآن فلربما يغضب*
حفل الآخر بذلك وغمر الإرتياح نفسه حتى ارتسم على محياه وقال وهو يمرر أنامله في خصلاته الفضية إلى الوراء :

-هذا جيدٌ حقاً ، لقد تمنيت دائماً أن تكون بخير حتى لو كرهتني يوماً ؛ فقلبها قد بلغ من الأذى ما لا يحتمله قلب وظني لو لبثت عاماً آخر في القصر الرئيسي لكانت قد هوت وذاقت مُرِّ السقام ، آثرت أن تتأذى ويضني جسدها المتهالك أكثر مما هو كذلك . أردت إخبارها دائماً: أن افرحي وإبتهجي وقري عيناً ، فلستِ وحيدة ؛ وأما زوجك الذي هلك لم يكن آخر آمالك! . ولكنها لم تدع نافذة تهب منها نسمة تفاؤل إلا وأغلقتها ، ولم تدع نفحة أملٍ إلا وطمستها ، فآنى لي أن أحاول إحياء آمالٍ ميتة؟ ، صحيح أن لي السلطة وقدرةً على القتال والذود ، ولكنني أضل عاجزاً دائماً أمام هذا النوع من المواقف . فلذا لم أجد أي شيء أفعله سوى إخفاء هذا المحيا عنها فلربما ذلك سيريحه من همها ويهدئ عاصفة ظنونها ومخاوفها .
-وإذن ، لمَ لا ترافقني إليها الآن؟.
-هذا مستحيل .
-صدقني جلالتك الامرأة التي رأيتها كانت تتوق إلى رؤيتك وتتحرق إلى ذلك ، بل وهي تتألم وتقلق في صمت ، وظني أن رؤيتها لمحياك سيكون بلسماً شافياً لها من كل همومها التي تعتريها ، ومنقذاً لها من ذلك الشجن الصامت الذي يدوي في فؤادها ، فإذن؟.
حدثته بثقة و أمسكت يده بحماس ، وهي تلح عليه بالذهاب حتى وجد نفسه يتبع خطواتها الضئيلة ويبطئ وقع خطواته محاولاً لمجاراتها ومن ثم أحس أن المسافة بين القصرين كانت بعيدة فقرر أن يمتطي حصاناً يخفف عليهما مشقة السير ، وحالما وصلا لتلك الحديقة التي لاقت فيها الملكة ألحت بالنزول فأذعن لطلبها وقررا المشي حتى يصلا إلى الملكة ، ولكنها إنزعجت عندما لاحظت بطء خطواته فتدفعه وهي تتذمر
-هيا اسرع لمَ تبطِئ ؟.
-حسناً سأسرع.
وعندما سرع خطوه لفجأة سقطت فيوليت لأنها كانت مستمرة في محاولة دفعه ، كانت سقطتها قوية كما لو أنها رمت بنفسها من أعلى سفح! .
-فيوليت!! ، أتأذيتِ؟.
-أيها ..
صعق الآخر وإندفع نحوها مسرعاً محاولاً رفعها ولكنها كانت غاضبة وبل بصدد البكاء ، قال وهو يساعدها على الوقوف :
-هيا قفي ، كفاكِ نوماً.
-نوم إذن؟ ، لماذا ترهق أعصابي هكذا؟!! .
-أنا آسف لم أقصد ذلك.
-أنت تعتذر وتضحك في الآن ذاته! ، كيف بإمكاني أن أقبل أزيف إعتذار لهذا العام؟!.

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن