حل مساءٌ عذبٌ مزدان بعطر الياسمين في قلعة جيمان ، كان الجو هادئاً بعد وجبة العشاء ، هدأ وقع الخدم ، وبقيت فيولي قرب أليكسيس لتأخذ منه بعض الإرشاد لخطة حفل استقبال الشتاء فالموعد في دنو ، وما كان عليهم إلا التجهيز له قبل شهر منه .
-فلتجعلي أمر النبلاء المدّعوين لي ولكريس .
-لا بأس ، وإذن التحضيرات ستكون علي ، ما هذه الأوراق؟.سألت بعد أن رأته يمرر إليها بعض الأوراق المعدودة ليجيبها :
-بعض الإرشادات فيولي .. لا ترهقي نفسك كثيراً ستساعدك الخادمة التي تدعى بكانا ، فهي من خدم البلاط المسؤولات عن المناسبات ؛ إن الأمر فقط يحتاج لأن تراقبي و تددقي ، هذا ما تقوم به الملكة غالباً.
*إن الأمر سيكون على مسؤولات البلاط الملكي ، ولكن من الجيد أن فيولي ستتأكد من إتمام العمل على أحسن حال*
-الأمر يسير حقاً ، كنت أقوم بمثل هذا عندما كانت تقام المناسبات في الدوقية.
-من المريح أنكِ قد خضت في تجربة هذا من قبل .
-لا تقلق أبداً حيال ذلك! ، وإذن علي الذهاب طابَ مساؤك.
- لا تسهري الليل ، سآتي لاتأكد .
-أنت لن تفعل ذلك حقاً؟!.
-بلى سأفعل!.
-كلا!.
وهمَّت مسرعة مغلقة الباب ، وصلت إلى المكتبة وجلست على أول مكتب وأخذت بعض الكتب التي لاحت في رأسها فكرة الإطلاع عليها ، بقيت هناك لمدة ساعة وهي تقرأ بجد ، ولكنها فجأة سئمت وتذكرت أن أليكسيس أعطاها بعض المستندات للعمل عليها ، وقفت وأخذتها وصعدت لغرفتها ، وجدت المدفأة مازالت مستعرة وروز وكانا في الغرفة ، غيرت فستانها وبعد أن إنتهت قالت روز:-أميرتي .. أوليس الوقت متأخراً؟.
-لا عليكِ روز سأناديكِ بعد وقت قصير حسناً؟.إنحنت روز وإنصرفت رفقة كانا ، إبتسمت كونها استمتعت بمعمعة الكتب الغريبة تلك ، فتحت الأوراق وألقت نظرة.
-ماذا أهو يمزح؟ ، كلا إن هذه موهبة حقاً ... خطه بغاية الجمال والترتيب! ، كُنتُ دائماً أخاله شخصاً بغاية التنظيم لأن مكتبه وأشياءه دائماً مرتبة!! ، يا إلهي ما هذا الكائن الرائع المذهل الذي جمعتني الصدف به؟!!. هل هو يريدني أن أعجب أكثر وأكثر به أم ماذا؟.
صمتت قليلاً وهي مطئطئة رأسها حاضنة إحدى تلك الرزم مع ابتسامة عريضة ووجه أحمر ، ومن ثم عادت إلى رشدها قائلة:
- كلا! ، لا يجب أن أضيع وقتي بتأمله أفيقي يا فيوليت!! .كانت هائمة في أفكارها مبتسمة تضع بطانية على كتفيها وتحتها ثوب نوم خفيف ، ولكنها فجأة شعرت بيد بارده تحيط بها في غير رفق وتغلق على فمها لم تصدق حتى صدح ذلك الصوت الجافي في أذنيها :
-هل أنتِ حقاً هي امرأته؟.
كان رجلاً عالياً ظهر من العدم يحكم بيده الكبيرة على فمها ويكاد يمنعها من التنفس ، تشتت تفكيرها ونظرها ، بدت لوهلة كما لو أنها تغرق ؛ وغمرها خوف غامر فلا أحد سيسمع صوتها الآن ولا يبدو أنها قادرة على احداث جلبة حتى للحراس ، حتى أليكسيس لن يأتي الآن لأنها طلبت منه أن لا يفعل ، نزل العرق البارد على عمودها الفقري الدافئ ولكنها أرادت حقاً أن تنتشل نفسها من هذه القترة.
*أنا خائفة .. ولكن مالفائدة من خوفي الآن؟ ؛ علي التصرف وإلا سأخسر حياتي أو اتأذى ، ماذا سيحدث لو تمكن مني حقاً؟!.*
أبعدت يده باستماتة وأجابت وهي تتخيل نفسها أليكسيس جيمان بكل ثقة مستخدمة ذات النظرات المرعبة البليدة الخاصة به:
-أجل أنا هي ولية عهد جيمان .. ألديك أي مشكلة مع هذا؟.
-يالكِ من وقحة ، أولا تخافين؟أنتِ امرأة صغيرة ، سأسيئ إليكِ وسأقتلك بأشنع ما يكون!.
-ويحك! ، ألا ترى كم أني مطمئنة الآن؟. هل تعتقد أن أميرة بلا حول ولا قوة ستتحدث هكذا؟.
ضحك بعلو صوته وقال ساخراً:-يا ويلتاه ! ، ماذا تقصدين؟.
كانت تنوي إقتياده بحديث مشتت على هذا السياق مستخدمة مواهبها في التمثيل . ولكنها ذهلت حينما سمعت صوت خبط ، وسمعت الرجل يصرخ ويثقب أذنيها بعلو صوته ، وثم ، خرَّ و هوى وأزيحت يده التي كانت تكاد تخنقها ؛ تداركت الوضع بعسر ، هوت على ركبتيها ، شهقت ، سعلت ، كما لو أن تلك اللحظات التي تماسكت فيها وكتمت فيها خوفها ، أخذت من روحها .
-فيوليت!.
صوته ، غسل قلبها من الخوف ، وأعاد إليه نبضه المعتاد ، إلتفتت ، لمحته ، إنه أليكسيس الذي ضرب المعتدي على رأسه ، والذي بدا غليان أعصابه من تحديجه فيها ووجومه ، ومن الأزرق الحزين المرسوم في عينيه ، من قبضه لقبضتيه قبضاً عنيفاً ومن عضه لشفتيه الأشد عنفاً ، كان قد أتى فجأة كما لو أنه لم يكن مطمئناً لشيء ، كان شعره الفضي مبعثراً ، ولم يكن يرتدي معطفه وبقي بقميص أبيض ، بانت على وجهه ملامح مضطربة متنافسة ، ما بين غضب ، و حزن ، و إرهاق ، كانت هيئته تلك قد أخافتها أكثر من محاولة إختطافها .
نادى آردين ورافيلو اللذان أتيا مستغربين وجافلين ، وسحبوا الرجل معهم ، وأمر بتفتيشه وحبسه ، وخرجوا به مسرعين.
ابتسمت مداعبة وقالت ممازحة:-ما هذا الذي ترتديه يا سيد سفرجل؟. هيه!!! ، إحترس أن تكون قتلت شخصاً في غرفتي أنا لا أسمح بهذا!! .
-فيوليت .. هل أنتِ بخير ؟.
نزل على ركبتيه وأحاط يديه بوجنتيها وقال:
-لا تخفي خوفك !.
-ولا تخفي غضبك !.
قالت محملقة وهي تضع يديها على يديه ليجيب:
-لا يمكنني أن اهدأ فيولي .. مهمتي هي حمايتك!.
-لا يمكنك أن تمنع كل شيء من الحدوث! ، وهذا شيء لن يتكرر مجدداً ، حسناً؟. ثم أني دمية قوية لقد أخفته قليلاً ، لا بأس لابأس.-أهكذا يمنع الغضب من السريان في العروق؟ ، عن طريق رؤية بريق الدمى الآسر؟.
-أنا استمد بريقي منك..
إستلقت على سريرها باسمة بعد أن هدأ قلبها ، لقد كانت ليلة غريبة ، وكانت مازالت متأثرة بخط يد أليكسيس!!!.
*أنا تافهة حقاً... ولكن هل هذا الشخص يلعب دور الأب الآن؟!*
قالت آخر عبارة وإلتفتت إلى أليكسيس الذي يجلس على كرسي بجوارها ، لقد أصرَّ على البقاء حتى نومها ، بصمت ، وملامح كئيبة وإبتسامة متكلفة .
-أليكسيس .. أليكسي .. جيمان .. يا سيد .. جلالة الثور .. ماذا تفعل بحق؟!.
-فلتنامي أيتها الجانحة ، لماذا تصدرين ضجيجاً عالياً كهذا!؟.
*أكره هذه الكآبة التي هو فيها .. هذا حقاً مزعج *-سأنام عندما تعدني بأن تهدأ ، قد تصحو ميتاً غداً ، لا يمكن أن يشتاط غضبك من أجل شيء كهذا!.
*ها هي تتفه الأمر وهي المتضررة ، كل ذلك بسبب إظهاري لكل هذا الغضب.*-لا بأس فيولي .. أعدك ونامي الآن!.
أنت تقرأ
آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopes
Mystery / Thrillerهل كل الواقع حقيقي؟ ، وهل ما تراه حدث حقاً؟ . و عندما يكون عدوك في "نفسك" ما الذي ستقوم به كي تجابهه؟ ، هذه الرواية تجسد معاناة بشرية بطابع فيكتوريّ . "فيوليت" في حين قصير وجدت نفسها خطيبة ولي العهد المكلل بالأسرار والمؤرق بالهموم ، و من ثم تبين أن...