سأذود مستبسلاً! CH22

56 3 72
                                    

وبعدها ، تحديداً في حلول ما بعد منتصف الليل ، كان الجو بارداً والليلة مقمرة ، تهب رياح تداعب الأبدان مصطحبة نزلات البرد ، يقف ولي العهد في شرفة غرفته مشرَّد النفس ، كان  في قميص وسروال بيض ، وفي شعره الفضي المبعثر شيء من البلل أو الندى كونه لم يتخلى عن عادته في الاستحمام كل ليلة .

يستذكر في نفسه ولج خواطره قصة قديمة :
كل شيء يجري بغرابة حقاً ، يبدو لي خيال سبب وجودي كل يوم ، لقد كنت قلقاً حقاً على فيوليت ولا يمكنني الإطمئنان حتى .. لكن الغريب هو أن هذه المشكلة حقاً لا تمد بأي صلة إلى عيبي الأول.
أنا الذي ولد عيباً في حياته ، كجزءٍ مهمل الرسم في لوحة جميلة ، مفسداً لما حوله ، ولدت في عائلة ملؤها حب ، بوالدين يبثان الدعة بنفوسهم المشرقة ، ولدت ولي العهد الذي كان وريث العرش دون أي منافس ، ولدت الابن الأول والوحيد للملك ، ما كان والدي إلا ملكاً قوياً ولكن لا يتحكم في إنفعالاته العصبية ، ولكنه بشوش ولا تفارق الابتسامة فاه ، ووالدتي امرأة قوية ومتناغمة مع زوجها كزوجين عاديين لا ملك وملكة.
كانت كل حياتي مثالية عدا "أنا" ، الأمير المهق ، جالب الحظ السيئ ، العبء ؛ لم أحس بذلك ولو حتى لمرة للسنوات التسع الأولى ، ولكن بعدها أثر الأمر في حياتي إنطلاقاً من تعازي الناس على والدي ، إنطلاقاً من ظهور تلك الأنفس الغريبة ، و إنطلاقاً من صراخها في وجهي ، ولومها لي أن أنت يا ابن التاسعة هو نقمة سلالة جيمان ، و كان للبشر يد أخرى في الكآبة التي توغلت في نفسي وأغلتها .

كنت صغيراً لأدرك ، مدى غرابتي وتخلف البشر ، في حياة والدي لم يكن يعاملني أحد كغريب ، لذا لم أكن أعلم مقدار الإختلاف الذي أنا عليه ، حالما يرون ذلك الفتى المهق يجفلون ، يرتعبون ، ويستذكرون خرافاتهم البالية ، قائلين أن المهق يجلب الحظ السيئ ، وأنه هو من تسبب بموت والده ، مهق ذا وجه أبيض من الثلج ، بل للدقة أشحب من الرفات ، وأقسى من الجليد ، وأحد من المنية ، طابق وجوه الموتى ، شعره أبيض كالشيب ، شيبٌ أضرم فيه حتى شعر وجهه فلم تكن هناك شعرة سوداء واحدة في ذلك الوجه الذي تجانس لون بشرته وشعره!.

كان هناك من يهجم في السر ، يزمعون القتل ، بحجة طمس الحظ السيئ ، تذكرت حينما كنت في العاشرة ، في الغابة التي تكون خلف القصر تماماً ، ليلاً ،  كنت أتدرب ، وإذ بهم عشرة ، عشرة رجال بجلابيب سود يحيطون بابن العاشرة ، وإذن أولست جالب البؤس هنا؟ ، استخدمت حجتهم كسلاح ، حدجت في عيونهم العشرين واجماً ، أريهم إلى أي مدى هو المهق غريب! ، أريهم مدى قبح هذا الكائن المرعب الذي أرقت لياليهم بسيرته! . وجموا ، تراجعت خطوتين ، فظهرت والدتي التي كانت تتبعني مع فارسها ، كانت تحاول حمايتي بكل جهدها ، وأنا كنت أكذب وأجازف في الخفاء ، لأنه كان يحز في نفسي شحوبها وحزنها . كانت تفتقده ، وأنا كنت أشبهه كثيراً! ، وكنت أيضاً آخر ما تركه لها ، ترك لها ابناً مهقاً ليتولى المملكة من بعده .

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن