دَأبُ ضَنِيّ | CH 3

80 15 20
                                    

كان صباحاً خفيف الظل حلو الإنطباع يبثُّ في النفوس شعوراً هادئاً حلواً ينسي كل عَنتٍ وضُنِي ، حظر كريس ملقياً التحية على ولي العهد وبدأ في طرح التساؤلات التي أضنته ولم يجد لها ولو جواباً واحداً.

-أانت جاد فيمَ عزمت؟ .
-إلى متى ستستمرون في إعادة ذات السؤال؟ ، بالطبع أنا كذلك ، فقد آن أوان الجد ولن أدع لمكائدهم سبيلاً .
-ولكن ...
-كفاك قلقاً يا كريس ، وأعدك بأني لن أدع أحداً يتأذى.
- بالتأكيد ، جلالتك .

ودخل عليه نفرٌ تسربلوا بجلابيب بيضاء ناصعة ، ذوي وجوه نيِّرة جلية التقاسيم ، إندفعوا وأدوا تحية حارة :

-المجد لجلالة الملك الواعد .
-أهلاً بكم .

وبعد أن رحب بهم ورحبوا به وحفلوا به وحفل بهم ، أمرهم بالوقوف ليشرعوا في العمل على ما يخططون له ، ليأخذه كريس منفرداً ويسأله:

-ما الذي يفعله الخيميائيون هنا؟.
-إنه جزء مما نغزل .
-ولكن ما علاقتهم بذلك؟.
-سترى.
*مالذي يخطط له جلالته؟ ، وما علاقة ما إكتشف بهؤلاء الخيميائيين؟. تارةً يستقبل وفداً من فونهان وتارةً أُخرى يتواصل مع الخيميائيين ، مالذي تنويه يا جلالتك؟.*

وبعد أن إتفقوا على تلك الخطة التي أبهرت كريس بما حوت في طياتها ، إنصرف ولي العهد إلى مكتبه لينصرف بفكره عن هذه المعضلة ويبحث عن معضلة أُخرى يتصرف فيها ، فهذه وثائق هامة متناثرة على مكتبه وتلك مشاكل في بعض المشاريع في العاصمة ، وكل ذلك ليسير قليل مقارنة بتلك الإرهاصات التي تعلقت بالشؤون السياسية داخل وخارج المملكة.

لكنه رأى في كل ذلك مللاً وقهراً لنفسه فإنصرف عن كل ذلك وتوجه صوب أول رزمة أوراق فارغة وبدأ في التخطيط بجد .

-لأُفسدن كُل مكائدهم وأُثبطنها تثبيطاً.

-لم يخطر ببالي أبداً أني سألقى ذلك الدليل القوي أثناء تجولي في أحد الممرات السرية في العاصمة ..

* تلك الممرات قد حفرت بشيء لم يخترع في هذا العصر ، شيءٌ قوي يخترق الأرض كما لو أنه يلتهمها دفعةً واحدة ، وما كنت أدري أن ذلك كان تمهيداً لكشفي
لأكبر مخططٍ للسحر الأسود!.

كما أنه يمتد من جيمان مروراً بروكو ووصولاً لكالدرن ، ولكن لُبَّهُ هُنا فطمسه من هنا سيكون أكثر سلاسة من إتباعي لباقي امتداداته.*

-هناك الكثير لادأبه.

وبعد أيام قليلة سرعان ما وصل لتلك البقعة التي حددوا فيها مكان تلك الطلاسم ، ذهب ولي العهد بنفسه ومعه اولئك الخيميائيون ، وكذلك سحرة فونهان الذين لن ينفعوا فتيلاً طالما كان سلاحُ العدو سحراً أسوداً ؛ أمر الجميع بالبقاء خلفه وإندفع صوب ذلك المكان بهدوء ، وحالما وقف في وسطه بدأت أصوات غريبة بالظهور ، لم يستطع الجميع تمييز ما كان يهمس به بخفوت بسبب تلك الأصوات العالية التي تبدو كما لو أنها تزداد علواً مع كل كلمة يتلفظ بها ، بأمره بدأ الخيميائيون في لعب حيلهم التي كانت أقل ما يكون سحراً ، ولكنها كانت تعني قوة مضادة لا تني في قتال تلك التعاويذ السوداء ، وبعد أن طال ذلك الصراخ الغريب ، خفت فجأة ودون أي مقدمات ، وهو يتضائل ويتضائل حتى إضمحل وامسى خيالاً منسياً ، وإذ به رجل مسوَّدٌ أو بالأحرى متفحم من رأسه حتى أخمص قدميه يدنو متثاقلاً متعثراً صوب الأمير ، كان يرتدي جلباباً أسوداً وكان صوته تغلبه حشرجة مريعة تؤلم المستمعين ، كان يدنو منه بعَنَت والآخر واقف بثبات يراقبه ، ومن ثم رفع الساحر يده ليلقي آخر تعويذة له محاولاً استدعاء كل ما له ، ليمسك الآخر ذراعه بسخط متمتماً ببعض الكلمات الغير مألوفة التي بثت فيه الكثير من الخوف والرهبة لتثبط كل قواه حتى جثا جُثياً ، ومن ثم أمر الفرسان بآخذه إلى المعتقل وانتشال الجثث الكامنة في تلك الأنفاق .

-كم رجل وامرأة قتلت؟.
-ثمانية رجال وتسع نساء.
-و كم شيخاً طاعناً في السن وغلاماً مقبلاً على العيش ؟.
-لا أذكر ولكنهم كانوا كثراً.
-أانت جاد؟ ، ولمَ عزمت على فعلٍ دنيئ كهذا؟! .
-لأتغلب على جوداس .
-اذن فهي منافسة ، ألقي وداعاً ملائماً لقد بلغت ما يكفي لتتلقى الإعدام.
*لمَ يملك كل هذا الهيلمان وهو مجرد مسخٍ وغد؟*

وبعد ليلٍ طويلٍ قرر أن يعدمه بنفسه تحت المقصلة وهو يردد تلك الكلمات الغير مألوفة مجدداً ، وأمر بدفنه سريعاً . وبعد أن توارى ذلك الرجل تحت التراب تسلل إلى نفس الأمير شعورٌ خفيف بالراحة كيف لا وهو قد تخلص من أخطر ما هدد أرض جيمان؟! ، وبدأت تلك الطموح الحلوة التي تنشي نفسه مع كل سَحَر بالإختلاف إليه ؛ فتارةً يطمح لإحالة مملكته لإمبراطورية ، وتارةً أُخرى يخطط لإقامة معسكر لجميع الشباب ، وتارةً أُخرى يخطط لإقامة جامعة أكبر من التي بناها العام الماضي مع أن تلك الجامعة كانت شاهقة بما يكفي لكل الطلاب الجامعيين في المملكة! ؛ ولكن لمَ يجب أن تكون جامعة واحدة فقط في المملكة؟! ، كانت طموحه وطموح أمثاله دأئماً تدور في ذات الدائرة ، ولكنه خرج عن المألوف و تجاهل كل ذلك ونظر إلى نفسه قليلاً فقرر أن يلتمس الراحة لبعض الوقت ، فنام بعد شروق الشمس عكس غيره من الناس!.

آمَالٌ مُتَلأْلِئة | Bright Hopesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن