الى حبيبي وفلذة فؤادي فاروق أنت صغيري وصديقي المذهل الذي أرى فيه امتدادا لكبدي وروحي مصعب ، انت قطعة مني أريد أن أعلمها من أخطائي. ليس من الضروري أن تسلك نفس المسار الذي سلكه والدك يومًا، لا أريدك أن تكون نسخة من والدك . أريدك فقط أن تكون حر ومسؤول في نفس الوقت، أن تنتهج من العطاء أسلوب حياة، أن تناضل من أجل مبادئك ومن أجل الحق، وأن لا تكون عبْد لأحد.. سواء كان ذلك "الأحد" نفسك أو الآخرين.
استمع إليّ جيّداً يا فاروق ... كتبتُ هذه الرسالة لك واريدك إن تقرأها عندما تصل الى السن الذي تفهم فيه مقصدي من الكلام ، كان لنا يومًا بيتٌ تسندهُ جدرانٌ كثيرة، ورجلٌ واحد.. رجلٌ واحدٌ فقط، رجل عظيم بمعنى الكلمة وقد عرفتُ الوطن الكبير من عينيه، كان بكلّ تفاصيله وطناً. احببته اكثر من روحي ودمي ولكن ذات يوم ذهبَ هو، وبَقيَتْ جُدراننا تبكي ألم فراقه، أنا يا فاروق ما عاد لعينيّ وطنٌ أعلمك عشقه من بعد رحيل والدك ، بيعت أرضي، واغتصبتْ ديارُ أجدادي، بيعت بدمِ أبنائها ولأبنائها اقتسمها الذّئابُ، ولم تصلنا سوى الرّايات أكفاناً خضراء..صفراء.. ياعليّ! وسوداء..يا اللّهُ يا مُحمّد!
هذا الشخص الذي اتحدث عنه وافتخر فيه هو والدك الرائع مصعب ، ربما لم يسمح لك القدر بان تحمل اسمه وقد سُميت باسم جدك ياسر . لكن يكفيك ان تعرف من هو مصعب بالنسبة لامك وبالنسبة لك ... انت فاروق مصعب و ستبقى هكذا حتى النهاية! ،
والدك الذي رحل ب٥ رصاصات غادرة ساقتها يدُ القدر، اخترقت ذاك الجسد الطّاهر وأتته مُباغتة فسرقت منه عطف الأبوة وحنان الزوج وأعطتنا سنينا من الألم، لتقضي بذلك على حلمنا بالفرح من جديد. لم يخطر لها وهي في طريقها كم من البؤس ستترك خلفها! كم من الأنّات والوجع سيثيرُ اختراقها! مضت غير آبهة وسكنت جوفه. سألت نفسي وقتها أستغفر الله ألم يكن الله حاضراً؟ بلى، ولكنّها إرادتهُ يا مريم وهل لنا عنها مردّ! وهل لقلوبنا سوى الحمد! فَلله ما أخذ ولله ما أعطى وكلّ شيء عنده بأجلٍ مسمّى.
ما زال صوتُ الرصاصات يا فاروق ينخر بذاكرة ذاكرتي، و يرنُّ في أذنيّ، وهديرُ الطّائرات التي تحوم فوق رؤوسنا لترمي ببراميل الموت ينفض بجسدي حتّى التعب، أشياء كتلك لا نملكُ حقّ نسيانها، ولا حتّى دفنها مع أيامها،
ربما سيتحدث الكثيرون عن والدك بالسوء وسيقولون عنه الكثير من الكلام البائس " داعشي .. افغاني ... شيشاني " لكن يكفيك ان تعرف الحقيقة على لسان والدتك ... وليس هناك اصدقُ من ان تسمع الحقيقية على لسان امك .. ، والدكَ كان شجاعًا بحق الكلمة .. والدك بالنسبة لي مات يدافع عن عرضه وشرفه دون ان يستسلم ابداً ، والدكَ ليس داعشي بل كان ضحية تعرض لغسيل دماغ منذ البداية وانجر وراء الدواعش .. لكن ما ان عاد الى رشده وعاد الي حتى عاد الانسان مصعب يفكر بحقيقة التنظيم الذي ينتمي اليه .. وقد قرر تركهم وقد تركهم فعلًا وكنا سنسافر معًا الى المانيا ونبدأ حياتنا السعيدة انا وهو .. وانت لانني كنت حامل بك وقتها ، لكن القدر والقسمة كان لهما رايٌ اخر فقد حرموني من مصعبي وقد خطفوه مني ب٥ رصاصات غادرة
قدري ولد معي منذ البداية أن أعيش فجيعة فراقه ، انا حبيبته وزوجته التي تركها خلفهُ حائرة تشكي ألم فقده لروحها المكلومة، رحل وأخذ خبايا فؤادي معه.. كان زوجاً رائعاً وحبيبا صادقًا وعاشقًا مغرمًا أودع عندي انت واختك ودق التي منحها من الأبوة والحنان ما يحولُ دون إحساسها باليُتم بوفاة والدها رؤوف ...
ربما تراني صلبة ولا اتحدث عن مشاعري امامك انت او اختك ولم تروني استمع لاغنية رومانسية يومًا او اضع المكياج كالنساء الأخريات فتظنون بأنني حجرًا صلبًا .. لكنني سأبوح لك لاول مرة بحقيقة مشاعري وبأنني أحببت أباك حبًّا أشدَّ ما تحبُّ النساء الرجال، لقد أحبَبْتُه من كل قلبي وجوارحي، أحبَبْتُه حتى درجة الهيام، أحبَبْتُه بكل عفوية وصدق، منذ اللحظة التي رأيت أباك فيها، سكن قلبي، ووضع رحاله في فؤادي، لم يسكن معه أحد، وإلى هذه اللحظة التي أراني أفقد فيها حُبِّي؛ أفقد حياتي، لم أعرف أحدًا سوى أبيك، لم يكن زوجي فقط؛ بل كان رُوحي،
وإنني كلّما أحسستُ بتعبٍ أشتاقهُ، أحتاجهُ، حتّى يفنى جهدي أمام اشتياقي له ، حتّى أصغر أمامه وأصبحَ لا شيء أبداً، تسكنني تفاصيلهُ ولا أستطيعُ أن أتجاهل أنّه كان يوماً هُنا، أقفُ على بابه وعلى صوره أتأملُ قسماتِ وجهه، أتمنّى لهُ نوماً هانئاً تحت التراب .. احببتُ والدكَ حبًا يفوق قدرتي وطاقتي على التحمل ...
مصعب كان أباً عظيماً.. لطفلي فاروق الذي لا أدري بأيّ أرض سيولد سيكبر ، سينطق أوّل كلمة، ويخطو أوّل خطوة، كتبتُ هذا يا صغيري وأنا الآن يسكنني أمانٌ، لكنّه مزيفٌ، أخاف أن أكبر ويعشش بين أضلعي منه فلا أستطيعُ أن أهبك يوماً إلّا الزيف.. صلِّ يا طفلي بأن ينتهي كلّ شيءٍ قبل مجيئكِ "فإنّ الصغار صلاتُهم لا تُردُّ" صلِّ، لأنني
لن أجدَ ما سأقولهُ لك يوماً 💔 .... ام فاروق
أنت تقرأ
يأبى الجرح أن يندمل
Mystery / Thrillerوكأن الجرح يأبى أن يندمل، نزوح يتكرر، وموت يتجدد، وليس سوى المعاناة تجمعهم تحت سقف العراق! فهل يمكن للحب والارهاب ان يجتمعا في جسد واحد !؟