الفصل العاشر الموسم الثاني

971 24 0
                                    

" سَعيت لمحوك من ذاكرتي فإذ بي أراني محوت نفسي لا انت ""
هَرولت بقلبٍ مُلتاع نَحو ابنتها وهي تَهتف بنبرة مُرتعدة :-
- بنتي
رَفعت ساعدها نحو امها تربت على ذراعها :-
- اهدي يا ماما انا كويسة .
هَتفت زينب بارتياع وهي توزع نظراتها على جسد ابنتها تتحسس وجهها ، من جهة وجدت قدمها اليمنى مُحاطة بالشاش ومن جهة وجدت الكانيولا مُعلقة أعلاها وذراعها مربوط بأنبوب وريدي :-
- ايه اللي حصل معاكي يا بنتي انتِ تعبتي تاني يا مصيبتي .....!
هَتفت زمردة تُحاول الاستقامة في جَلستها :-
- يا ماما اهدي وربنا انا كويسة اهو شايفاني قدامك كل الحكاية ان رجلي اتفشكلت و اتجرحت .
وبنظرة جانبيه يتخللها السخط والضيق رمقت ذاك الواقِف بِجانب باب الغُرفة :-
- وائل كان مصر آجي المشفى ، ربنا يسامحه على الرغم ان مكانش ليه لازمه ...
اقترب منها والدها بوجه غاضِب مُكفهر :-
- متكدبيش علينا يا بنتي انا خلاص عرفت اللي فيها ال*** رجع تاني انتِ قابلتيه تاني ليه ؟
انْتَحَبت زينب بلوعة وهي تُردد بِحسرة :-
- منه لله رجع تاني ليه عاوز من بنتي ايه ؟ مش كفاية اللي عمله فيها ...!
أغمضت عينيها لوهلة ثم فتحتهما وهي تُكابد لأجل الحِفاظ على قوتها حاليًا ريثما تنتهي من هذا الموقف :-
- بابا ماما كفاية تجيبوا سيرته صدقوني انا مبقيتش مهتمة بوجوده ، ايوا اتقابلنا بحكم وجودي في عرس ادهم اخو وائل بس انا خلاص معدش يهمني وصدقوني لولا رجلي اتلوت مكنتش موجودة هنا ...!
اقترب منها هامسًا يبرر لها في حين انشغال زينب بزوجها مدحت الذي ناداها لأجل إجلاسه :-
- صدقيني انا مقولتلهمش حاجة معرفش منين عرفوا ان رسلان رجع تاني ؟
همست بخفوت وصوت حانق :-
- مكانش ليها لازمة اصلًا تجيبني لهنا وتقولهم بص لنتيجة عمايلك .
توسعت أعين وائل ليرد عليها :-
- دلوقتي انا بقيت السبب ؟ انتِ اللي وقعتي من طولك بسبب حبيب القلب ومستحملتيش وجود وحدة تانية جنبه ...!
صدح صوتها باهتياج رغمًا عنها :-
- كفاية .....
عاد وائل بظهره للخلف بشكل مفاجىء وأعين متسعة فور رؤيته لعيناها اللتين جحظته برعب ليبقى تحت تأثير الصدمة في حين هتفت هي تداري على نبرة صوتها الغاضبة والتي خرجت دون وعي :-
- ماما بقولك ايه ساعديني ارجوكي انا مش هستحمل افضل هنا وعمر واحشني اوي ....
افترَّ فاه وائل ينوي الاعتراض على نيتها بالخروج من المشفى مستنكرًا ذلك وكيف يحدث هذا والطبيب شدد بضرورة انتهاء الكانيولا اولًا وإجراء الفحوصات لها :-
- بس ااااالدكتور اااا
رمقتهُ بنظرة صارمة لا تحتمل المزيد من النقاش :-
- مش هفضل هنا يا وائل انا بقيت كويسة ......!
ثم نظرت لوالدها بعتاب وهي ترنو إليه بحزن بسبب طريقة جلوسه الغير معتدلة ويبدو على ملامحه مشاعر الألم :-
- وانت يا بابا مكانش ليه لازمة تيجي هنا كدة ضهرك هيتأذي تاني ...!

*******************
أطال النظر باتجاهه لحظاتٍ طويلة وهو يجزم في ذاته أن لَهيب اهتياج صديقه المكبوت خَلف حائط الصمت الذي يتوارى بِه يكاد يَمتزج بالهواء حَولهم ويُحوله لِنيرانٍ مُتَسعِرة ، قَطع الصمت المُهيمن على المكان وأخذ يَقول وهو لا يستطيع كَبح استنكاره ولَومه :-
- مش ده اللي يرضيك وكُنت ناوي عليه مش كدة يا صاحبي ؟ يبقى ليه دلوقتي عامل نفسك زعلان ؟ انا حذرتك وقُلتلك اللي ناوي عليه يا رسلان غلط واكبر غلط كمان ....!
كان يُلقي بكلماته وهو يُراقب ردة فعله يَراه وهو يَعبث بالحلقة الدائرية التي تتوسط سلسلته يُحدق بالبحر الهائج أمامه بشغف كبير ونظراتٍ مُحْتَدِمة ، أكمل بخيبة امل :-
- تصدق كان معاها حق زمردة وانا اللي كنت الومها على فراقك المفاجىء لينا ، طول الوقت شايلة في قلبها مكنتش اعرف ان انتَ السبب في كل اللي بيحصل البنت دي اتظلمت معاك اوي يا صاحبي ربنا يكون في عونها دلوقتي بعد اما شافت ....
على الرغم أنه وفي لقاءهم الاول في الليلة الماضية أعطى رفيق دربه رؤوس الخيوط ووضح له ماهِية الأحداث التي وقعت معه لكنه وما زال يَلومه ويَعبث بخُصلات صبره ، هدر رسلان بعدما تمكنت كلمات معتز منه :-
- بقولك ايه يا معتز انا دماغي مش مستحملة كلام اللي حصل مكانش ضمن المخطط وزي ما قولتلك سونيا شغالة مع صفوان من البداية مكانش ينفع ارفض ده على الاقل ...! كان لازم اخرج للكلاب وانا راجل متجوز ...
تَرجل معتز من مكانه ليقف امام وجهه مُباشرةً ليقول باستنكار ورفض :-
- سونيا ؟ سونيا يا رسلان كُنت اخترت غيرها صفوان ايه وهباب ايه ؟؟؟؟ ده عذر اقبح من ذنب ، انت كدة بوظت الدنيا خالص كدة زمردة استحالة تسامحك ، البنت وشها كان عامل ازاي لما شافت سونيا جنبك ؟ يا اخي انا كُنت واقف بعيد عن كل اللي بيحصل وحسيت فيها ازاي تهون عليك للدرجادي ؟؟؟ دي اول ما شافت سونيا انهارت خالص ويا عالم حصل معاها ايه لما خرجت ....
ابتعد من امامه عائدًا للخلف وكأنه يدور حول نفسه كَما شُعوره بذاك الذنب الذي يَلتف حول عُنقه ويكاد يَذبحه ويستأصل رُوحه ، امال رقبته للجانب ثم هتف مُجيبًا بنبرة واثقة :-
- هوضحلها كل حاجة يا معتز اكيد زمردة هتسمعني وتفهمني كل اللي بعمله ده عشان اخلص من ام الحرب اللي اتحطيت فيها دي غصب عني ...
رَمقهُ معتز بحزن ليقول بيأس وهو يقترب منه مُشيرًا بأصبعه في مُنتصف صدر رسلان :-
- فوق لنفسك انت كدة بتضحك عليها يا صاحبي يا ريت لو وقفت على لعبتك دي وموضوع سونيا ده ، اللي عملته مع زمردة استحالة يتنسى يا صاحبي انت أذيتها جامد انا مكنتش متخيل لو لحظة أنك تعمل كدة في الست الوحيدة اللي حبيتها من قلبك انت كدة هدمت كل حاجة .
ارتجافه قوية وبرودة سرَّت في انحاء جسده وكأنه تلقى صفعة مُباغته للتو جَعلته يُدرك واقعه ، ليهدر بصوتٍ مُهتاج يَبوح مكنوناته :-
- اعمل اييييه ؟ قولي اعمل اييييه يا معتز ؟؟؟؟؟ لما اتخطف فجأة وهوب انا ما بين اربع حيطان والاقي ابويا الميت قدام عينيا وبوش تاني خالص غير عن اللي اتربيت عليه ويتقالي ده ابوك ولو موقفتش جنبه ابوك هيموت هيموتتتتتت يا معتز متخيل موقفي كان عامل ازاي ؟؟؟ اسيبه وامشي وارفض ؟؟؟؟؟؟ حط نفسك مكاني يا صاحبي انا اتحكم عليا يتلعب علي مش مرة ولا اتنين في الحياة المهببة دي لااااااااا اتحكم عليا افضل عايش في وسط أكاذيب عمرها ما تنتهي وكل اللي ورا الاكاديب دي اهلي عيلتي انت متخيل امي وابويا يا معتز انا تعبتتتت ؟!
خَتم كلامه وهو يَنهار أرضًا بنبرة قهر ليستأنف وهو يَنتشل حفنة من تُراب الأرض بسخطٍ واهتياج نثرها بجانبه :-
- هاشم الزيناتي مش دبح سليم العطار وبس لأ دبحني انا انا يا معتز بقيت عايش وانا حاسس نفسي ناقص عشان انقذ ابويا ، الكل كان فاكر الشيطان الأكبر في حكاية اولاد العطار هند الحكواتي بس لأ طلع الشيطان الأكبر هاشم الزيناتي وولاده ....! وولاده يا معتز اللي كنت فاكرهم ابرياء طلعوا زي ابوهم ...! ابنهم اللي ...ااااا
لم يكن هذا ما قِيل له ليلة أمس كان قد اكتفى صديقه رسلان ببضع أمور واحداث لكن ليس هذا كله ، تَجلت الصدمة على ملامح معتز والقهر انفجر في قلبه على حال صديق عمره الذي كُتب عليه أن يراهُ من شقاء لشقاء والحياة لا تدعه يَنعم بالسلام ، لكنه لم يكن يبتغي أن يتأمل صديقه مجددًا بشيء ربما بات مُستحيلًا فما أخبره به ليلة أمس بشأن ما حدث بينه هو وزمردة جعله على يَقين ان اجتماعهم بات مُستحيلًا ، انحنى بجسده وهو يربت على كتف صديقه :-
- رسلان صدقني ان انا كل اللي كُنت عاوز اقولهولك ان حكايتك انت وزمردة خلاص مبقتش تنفع بعد اللي عملته معاها ....
تَوسعت أعين معتز بصدمة وهو يرى قَبضة صديقه المُلتفه حول ياقته باندفاع مباغت يهدر بوجهه وعيناه تُتقد انفعالًا وصوت جازم :-
- مفيش حد في الكون ده هيقدر يمنعني عن زمردة طول ما انا عايش فاهم ؟ مفيش ولا بني آدم يقدر يسرقها مني ... زمردة دي روحي ونفسي اللي بتنفسه هي نفسها متقدرش تمنعني عنها فاهم ؟
تفاجىء معتز باهتياجه فإذ به ينزع قبضته عن ياقته ليرتد الأخير للخلف وهو في حالة من الغضب المصاحب لحالة من اللاوعي ، صرخ معتز به وهو لا يحتمل هذا الجنون :-
- انت اكيد اتجننت يا صاحبي اللي بتتكلم عنها مبقتش نفسها البنت اللي حبيتها زمان زمردة دلوقتي بقت اقوى مننا كلنا وفي ضهرها.ااااا
نهض من على الارض واندفع نحو معتز يزمجر بنبرة تحذيرية الجمت من أمامه وهو يشير لذاته بأصبع يده :-
- ايوا انا في ضهرها ومش هسمح لمخلوق اتخلق على وش الدنيا دي .
ثم ابتعد من امامه ولانت نبرة صوته وهو يَقول بصوت مُتحشرج يعاود الاتكاء على مقدمة سيارته :-
- زمردة ليا لوحدي وهتفضل ليا لوحدي مهما عملت ومهما حصل هتسامحني ولو مش عاوزة تسامح يبقى هي اللي جنت على نفسها مصيرها معايا انا ، انا لوحدي هي وابني ....
رمش معتز عدة مرات غير مصدقًا ما يحدث امامه وهذا التحول المفاجىء برفيق دربه ولأول مرة يراهُ هكذا :-
- بسم الله الرحمن الرحيم انا مش مصدق نفسي ان اللي قدامي ده صاحبي رسلان ولا واحد تاني !
جزَّ على أسنانه وهتف بحنق شديد :-
- بقولك ايه يا معتز لو ناوي توقف جنبي انا هنا وده مكاني لو مش عاوز اتفضل انا مش محتاج حد جنبي وهوصل للي انا عاوزه ....
ثم أضاف بغرور :-
- هه ولعلمك بقى كله شغال تحت امري انا وقريب اوي كله هيتحاسب ....!

**********************
بعد مُرور يومان وبعد مُعاناة استطاعت استجماع ذاتها والمضي نحو خطوة لا تأبى لها إطلاقًا فقط ستسير نحوها وتواجه ما عليها مواجهته ببرود أعصاب واستحكام كانت تمضي لداخل الفندق ، التقت بصبري ليدنو منها فإذ بها تُردف القول بتساؤل :-
- فين سونيا ؟
ليُجيبها على الفور :-
- فوق يا فندم في اوضة الاجتماعات مع رسلان باشا وفؤاد بيه .
كانت أنفاسها ثقيلة تَعج بصخب الألم الممزوج بالكبرياء خُطوات تَهذي ما بين الحيرة والتردد والمضي قدمًا لمصير مجهول ربما سيؤدي بها الى الهلاك ، لا تعلم كيف وصلت الى هنا ها هي الآن خَلف بوابة غرفة الاجتماعات تمسك بمقبض الباب هل تدلف للداخل ؟ ام تتراجع هاربة من مواجهة عنيفة صارخة ربما ستجعل نزيف روحها يَفيض ! لكن سبق صراعها مع ذاتها صوت لا تجهله البته بل تعرفه جيدًا لانه يَعيش في مسامعها لطالما حييت
- زمردة بالنسبالي ماضي وراح في حاله انا شلتها من حساباتي من زمان .....!
تراجعت يدها عن المقبض دون وعي وهي تكاد تفقد توازنها لوهلة شعرت وكأن الأشياء حولها تتساقط ويا
لَيت أذنيها صمت ولا سَمعت هذه الحُروف قشعريرة وأي قشعريرة أصابتها ؟ .........
انها قشعريرة حادة بارِدة مُخيفة ستلسع من يَقترب منها .........!

قيصر العشق  الجزء الاول + الجزء الثاني بقلم عروبة المخطوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن