30

567 57 43
                                    


العراق لم يعد بحاجة لكم يا عرب فقط ابعثوا لهم بالكثير من القماش الأبيض ، فالأكفان قد قاربت على النفاذ !

في يوم الخميس 21 مارس 2019 عاد سعد من عمله كعادته متأخراً ومتعباً يشتاق جسمه المكدود إلى الراحة بعد إرهاق طويل وعندما دخل الصالة وجد امه جالسة تبكي لوحدها فعقد حاجبيه مستغرباً بشدة وذهب وجلس بالقرب منها

سعد : خير يمة شبيچ يا ستار ليش تبچين ؟

فاطمة : باوع عالتلفزيون

اخذ سعد ينظر الى التلفاز فشاهد " غَرِقت عبّارة سياحيّة في نهر دجلة بمدينة الموصل في العراق اليوم ، وكانت العبَّارة تنقل مجموعة من العائلات إلى جزيرة أم الربيعين في غابات الموصل وأدى ذلك لغرق أكثر من 120 شخص ( من النساء والأطفال والرجال )

أخذ سعد يتأمل تلك الكلمات لدقائق معدودة ، لقد انعصر قلبه مثل حبة العنب بين الأنياب !

سعد : حداد حداد حداد وكل يوم نگول على واحد الله يرحمة وكل يوم نگول لاب البقية بحياتك وكل يوم نشوف ام تبچي الى متى شوكت نباوع على قناة ونلگي خبر براسه خير بس گليلي بلديش هذا اللي احنة عايشين بيه اريدلي بس شي واحد ماخذيه من العراق بصفتنا عراقيين ، ترة اليوم الحداد مو بس على شهدائنا ترة علينا هم على عيوننا وعلى گلوبنا وضمايرنا وعلى إنسانيتنا لان صرنا مثل الحيوانات

غادر سعد الى غرفته حيث كان متعباً بحق الكلمة ونام على سريره دون ان يغير ملابسه حتى !

اخذ سعد ينظر الى نصب الحرية وهو يقف تحته مباشرة كان قلبه يخفق بقوة لدرجة آلمته وقد خالطته مشاعر مضطربة وهو ينظر الى هذا النصب العظيم وقد ارتسمت على محياه ابتسامة خفيفة في هذا المكان الذي كان يخلو من اَي مخلوق !

في اثناء تأمله للنصب ودقته وعظمته ومحاولته لفهم تفاصيله ورموزه جاء رجل من العدم ثم وقف بجانبه واخذ ينظر اليه !

الرجل : عاجبك النصب ؟

سعد : مو بس عاجبني هالنصب فد شي يخليك تحس بمشاعر انت بنفسك راح تستغرب منها !

الرجل : ما عرفتني ؟

التفت سعد نحو الرجل واخذ ينظر اليه محاولاً معرفته !

سعد : لا اسف ما عرفتك منو حضرتك ؟

الرجل : اني جواد سليم ! من اشهر النحاتين بالعراق اني اللي مسوي هذا النصب اللي انت هسة گاعد تباوع عليه ومنبهر بيه سويتة بكل ما عندي من الهام وابداع صبيت بيه كل حبي للعراق لدرجة هلگد ما ذبيت كل طاقتي عليه تعرضت لنوبة قلبية قوية تسببت بموتي !

سعد : شنو معناه وشوكت سويتة !؟

جواد : سنة ١٩٦١ هذا النصب مثل ما دتشوف بيه ١٤ قطعة وهذا العدد بالذات سويتة علمود يوم ١٤ تموز ، اهم شي باوع على هذا الرمز هذا الرمز هو الام اللي تحتضن ابنها الشهيد وتبچي عليه لان هذا الشي صار شي طبيعي ومن حياتنا اليومية ، بعدين باوع بالوسط راح تلاحظ ال ٣ تماثيل اللي على اليمين راح نشوف تمثال السجين السياسي والقضبان الصعبة ما رح تنفصل الا بإصرار وقوة الجندي
اني فخور بهذا النصب حتى لو چان سبب موتي لان هذا النصب الوحيد الآي أثر على الشعب العراقي بمختلف الثورات والعصور ، العراقيين طول عمرهم متفرقين وما توحدوا بشي مثل ما توحدوا بأتفاقهم بأن هذا النصب هو رمز التخلص من العبودية والظلم !

سعد : بس مارح نتخلص من اللي انت دتگول عليه رح يبقى الظلم جزء من حياتنا

جواد : انت تحب العراق ؟

اخذ سعد ينظر اليه بتعجب مستغرباً من سؤاله

سعد : شنو هالسؤال هذا ، اني عراقي واكيد راح اگول اَي !

جواد : تحبه لدرجة مستعد تموت لاجله !؟

سعد : لا ما اعتقد ، العراق ما قدملي شي حتى اقدم روحي علموده !

جواد : خليك تحب العراق بكل جوارحك ، خلي كل قطعة من جسمك تنادي بأسم العراق خليك مستعد تضحي بأعز ما تملك علمود العراق ، بعد فترة رح تفهم شنو يعني العراق لك العراق شي عظيم بعد فترة من ينذكر اسمه گدامك يدگ گلبك وتصيبك قشعريرة رح تكون جاهز حتى تقدم كل ماعندك علمود يعيش العراق يوم واحد بسلام ، شباب اليوم لازم يضحون بحياتهم ، شباب اليوم لازم يموتون علمود العراق يعيش !!

رفع جواد مسدسه ثم وجهه نحو رأس سعد واطلق رصاصه اخترقت رأسه وهشمته وارداه بذلك قتيلاً ، سقط على الارض تحت هذا النصب العظيم !

قفز سعد من فراشه كالممسوس ووضع يده فوق قلبه لينظم انفاسه كي تعود الى طبيعتها وكان منصدماً جداً وفازعاً مما رأى

سعد : شهالحلم هذا يا ربي

حمل سعد هاتفه بشكل لا إرادي ثم ذهب الى ال google وكتب باحثاً عن جواد سليم وقصة نصب الحرية وقد قرأ شيئاً مطابقاً مما سمعه عن لسان جواد في الحلم فتعجب كثيراً !
كيف يمكن لشخص لا يعرفك ان يزورك في منامك ويخبرك بمعلومات صائبة هل كان ذلك حلم ام رؤيا !

قام سعد من فراشه ثم جلس على الكرسي وامسك قلماً بيده واخذ يتذكر مراراً وتكراراً " بعد فترة رح تفهم شنو يعني العراق لك العراق شي عظيم بعد فترة من ينذكر اسمه گدامك يدگ گلبك وتصيبك قشعريرة رح تكون جاهز حتى تقدم كل ماعندك علمود يعيش العراق يوم واحد بسلام "

وجد نفسه يكتب دون وعي منه ، اخذ القلم ينساب على الورقة بكل سهولة ينطق ما عجز القلب عنه !

" يول وين الشرف گدامكم بغداد شگوا ثوبها وأخذوها متأسرة
اغتصبوها الكفر .... لك ما تسمعوها دتصيح ؟
انا ام الشرف واليوم مو عذراء
بعد والله ما ينفعنا قيل وقال لان كلشي انتهى وانكسرت الجرة ! "

كتب سعد تلك الكلمات واخذ يقرأها منصدماً مما كتب مقتنعاً بأن ما رأى ليس حلماً إنما رؤيا تحمل له رسالة واضحة من جواد سليم !

يا وطني وكأنك غربة وكأنك تبحث في قلبي عن وطن ليؤويك فنحن الاثنان بلا وطن يا وطني

T.H 💔
الرحمة لشهداء العبارة الكرام 🤲🏻

دمُ العراقِ يراقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن