لم ضقت يا وطني بنا ، قد كان حلمي ان يزول الهم عني عند بابك !
قد كان حلمي ان انجب أطفالي على ارضك ، واستمتع بخيراتك واقطف ثمارك ويشيب رأسي على ارضك واستنشق هوائك واشرب من ماء دجلة والفرات ! لا اعلم لمَ احبك يا عراق لا اعلم كيف يمكن للمرء أن يشعر بكل هذا الحنين إلى وطن قسا عليه وحطم أسنانه؟
انا اسفة يا وطني فأنا مجبرة على مغادرتك فالشخص يغادر وطنه فقط حين لا يترك له الوطن مجالاً للبقاء !كانت الشمس ساطعة رغم أن الفصل شتاء، وكانت شهد جالسة في غرفتها تودعها للمرة الاخيرة فها قد قام والدها ببيع المنزل وما عليهم الان الا حزم حقائبهم ومغادرة هذا المنزل الذي عاشت فيه طفولتها وشبابها ، كانت مكتئبة الى ابعد الحدود ورأسها مليء بأفكار متلاحقة فقد بات البيت فارغ تماماً ، والأبواب مفتحة ولا يسمع الا صوت الحمام المطوق يهدل راضياً حول نافذتها ، كان سماعها لصوت الحمام يشعرها بالطمأنينة التي كانت قد فقدتها منذ وقت طويل !
فتحت حقيبتها وقامت بأخراج المرآة في فضول منها للنظر الى وجهها قبل ان تغادر المنزل كما كانت تفعل في السابق للتأكد من جمالها بعد اللمسات الاخيرة ، نظرت الى وجهها في المرآة وتذكرت كم كانت تبدو جميلة واخذت تقارن جمالها السابق بملامحها الحالية
دققت في ملامح وجهها البائس الحزين ، مسحت بكفها على وجهها
احست بجفاف بشرتها ، نظرت للمرآة بتمعن اكثر واضعة أطراف أصابعها على تلك الهالات السوداء الواضحة تحت عينيها ، كم كبرت وهلكت خلال تلك السنة وكأنها في ال ٤٠ من عمرها !