الفصل الواحد و العشرون : قلب بارد،

3K 340 182
                                    

كان صغيرا جدا، بعمر التاسعة تماما. يتمسّك بفستان أخته الكبرى و يبكي دموعا حارقة، بينما هي تحتويه داخل أحضانها، يد على ظهره و يد أخرى على شعره الأبيض. كلاهما على الأرضية الخشبية جالسان.

"لا بأس، لا تبكي... سنكون بخير، كل شيء سيكون بخير."

همست له تحاول طمأنته، و بفضل ارتعاد صوتها و اهتزاز جسدها فلم تبلي بلاء جيدا في ذلك، و إنما زادت من رعب أخيها الصغير فقط.

"نبقي على حياة النساء و نقتل كل الرجال إذن؟..كان عليكَ إخباري بذلك قبلا." عبر هاتف لاسلكي تحدّث رجل ضخم البنية، بيده سيف ذو نصل طويل، عليه تسري خطوط من الدماء فتصل قمته و تنزل كدمعة حمراء.

"ألقينا القبض على سيّدة المنزل، ثم قتلتُ كل من فيه من نساء و شيوخ و أطفال و رجال، بما فيهم ربّ الأسرة "

توقف الصبي عن البكاء فجأة، و أخته لم تنتبه لذلك فما وقع عليها من خبر أرداها فارغة الروح و مشوشة الأفكار، حتى أن ذراعاها أُرْخِيَتا عن جسد أخيها الصغير.

"أ.. أبي ميت؟...م.. ما الذي؟  ما الذي تقوله؟" سمع الصبي بأحضانها نبرة غريبة جدا عما عهده، فصوتها الذي كان ذات مشرقا و لطيفا، على الأذن ينزل كبلسم خفيف و هدوءه يريح النفس، ها قد صار فاترا، مكسورا، محطما و متناثرا.

لمحها الرجل بنظرة فاحصة، و ذلك أثناء إردافه "لا أحد على قيد الحياة غير الإبنة الأولى و الابن الثاني..."

الصبي كان يشعر بذراع أخته حوله ترتخي أكثر فأكثر، إلى أن وضعت يدَها على كتفه، برفق تحاول دفعه عنها.

رفع رأسه إليها، عيونه احمرّت و تورّمت من شدة البكاء، بينما هي ابتسمت له...

لقد كانت نفس الابتسامة التي وجهها والده نحوه.. آخر ابتسامة.

عرف معناها فصار يهز رأسه، الدموع مجددا وجدت طريقها للخارج و عادت تنهمر، يهمس لها خلال ذلك و يتوسل من أعماق قلبه "لا،أرجوكِ لا.. لا تقوليها أنتِ أيضا أرجوكِ"

"أخي العزيز.. أراك في وقت لاحق"

كانت تلك الجملة التي دخلت أذنه فأيقظته أخيرا من نومه، أو بالأحرى كابوسه.

ممدا على سريره صار يحدّق بسقف الغرفة، نظراته فارغة هامِدة. رفع ذراعه و على شعره الأبيض وضعها، متمتما تحية صباحية لنفسه "أريد الموت فقط"

الشمس لم تشرق تماما بعد، لكن كل سكّان المنزل كانوا مستيقظين، فبعد كل شيء اليوم كان يوما مميزا.

"إنه أول يوم لكم في المدرسة، أتمنى أن تنال إعجابكم و أن تنجحوا باكتساب صداقات جديدة و التعلم و كذلك الاستمتاع" واقفا عند قمة مائدة الطعام كان ويليام يحدّثهم، يشرح للمنضمّين الجدد القوانين و كل ما يحتاجون لمعرفته قبل الرحيل للمدرسة.

أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن