الفصل السادس والخمسون: العودة.

3K 360 278
                                    


الضوء من شقوق الباب الخشبي الموصد يتسلل، أما النوافذ فقد كانت محكمة الإغلاق بفضل أحجار الطوب المتراصّة عليها.

ابتلع الفتى ريقه وللخلف تراجع خطوة، إنه ليس مجنونا لدرجة الذهاب وإلقاء نظرة قريبة على المنزل!  في الواقع هو وفضوله اتفقا على غض الطرف و العودة لحيث الجندي فقط.

التفت وعلى الرحيل أوشك، فإذا بصوت صرير الباب الخشبي يتسلل لأسماعه..


'لن أعود للنظر إلا لو كنت غبيا أبلها...'، أقسم في خاطره و استأنف المشي، ترك أمر المنزل الغريب و الزقاق المخيف خلف ظهره وقصد الجندي. هذا الأخير كان ينتظره منزعجا، لم يلحق به و يترك موقعه بما أن يوداليت لم يبتعد عنه كثيرا على كل حال.

وعندما أوشك الأصغر على بلوغ بر الأمان، عندما صار على وشك تخطي الزقاق و صار بينه و بين الجندي مسافة أشبار، التفت...

إنه قريب من الجندي على كل حال، ما الذي يمكن أن يخيفه إن كان قرب إنسان آخر؟ الفضول الذي اعتراه كان أحد الدوافع لالتفاته في النهاية، لكن الدافع الأكبر تمثل في استشعاره هالة مألوفة... والأهم، سماعه للحن مستحيل أن يخفى عنه.


مثل كل الأومياري، يوداليت يملك القدرة على إبطال حاسة سمعه الثانية، و بالتالي يغرق في الهدوء بعد توقفه عن الاستماع لألحان الحياة حوله. لكنه لا يحب فعل ذلك، الهدوء الموحش ليس جزءاً من عالمه الذي اعتاد عليه. أُجبِر هذه المرة على إبطال حاسة سمعه للألحان بسبب الصداع الذي ألَمَّ برأسه، لذلك لم يتعرّف على لوكيوس أو كاميليا بسهولة.

لكن عندما وقف أمام الزقاق أعاد تفعيل قدرته، أراد البحث عن لحن إنسان أو وحش.. أراد الاطمئنان فقط دون الاضطرار لإلقاء نظرة قريبة.  ونهاية ذلك كانت سماعه لهدهدة وعزفا شديد القُبح!

التفت بسرعة لأنه سمع لحن حياة ماحق...

الصرير كان لباب المنزل، كما توقع الأصغر تماما فقد فُتِح على مصرعيه. الظلام الدامس يسكن أغوار المنزل، بابه يتأرجح برفق كلما هبّت الريّح فيُصدِر صريرا متصاعدا. إن الضجيج يداعب الهدوء، حول ذلك المنزل الساكن، الزّيزم ينذر بأن هذا الهدوء ليس إلا كذبة وقد تتجلى بكارثة.


لكن ليس وكأن الأصغر لم يكن مستعدا لهجوم مفاجئ، غير أنه لم يكن مستعدا بتاتا لما حدث تاليا.

النور انتشر داخل المنزل من جديد، ضوء أحمر كشف عن جسد طفلة معلّق عند عتبة المدخل. تتمايل هيأتها دون أن يظهر شيء منها غير نصفها السفلي المستور بقماش ممزّق.

القشعريرة سرت عبر بدن الفتى الذي تسمّر مكانه، الظل الذي رآه على الأرض قبل دقائق هاهو ذا الآن يصبح واقعا أمام عينيه!


أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن