(فصل معدل)
" إلهي... أخبرني... هل أنا آثم ؟ "
همس بينه وبين نفسه، ثم تنهد مستأنفا الصمت والهدوء. في تلك الليلة الباردة، أنفاسه كانت واضحة على شكل بخار كثيف.
جالسا على حافة سطح بناية عالية، أنظاره معلقة على المباني والشوارع المضيئة أمامه.
يكاد الليل ينتصف، لكن المدينة لم تجد للهدوء سبيلا بعد. السيارات تتسابق على الطّرقات والمارة يسرعون خُطاهم قصد منازلهم، رجال آليون على الأرصفة يراقبونهم، وبعضهم ينادي في الناس محذرا، "حظر التجول قريب! سيتم حظر التجول بعد نصف ساعة! هلموا إلى منازلكم يا سادة!!".
الفتى الذي كان جالسا على حافة السطح يحتضن ساقه الى صدره، على ركبته يريح خذه، يخفي شعره وملامحه بغطاء سترته البيضاء ذات الخطوط البرتقالية المفضلة له.
رغم الارتفاع الشاهق ورغم أنه جالس على الحافة إلا أنه لم يكن بخائف. هادئاً يمضي وقته بمراقبة الرجال الآليين يلفّون الشوارع، قبل أن ينطق محدثا نفسه مجددا، "أهذه نتيجة تعاون سَحَرَة الابتكار وعباقرة البشر؟ مثير للاهتمام جدا.."
إن الآليين بمثابة مساعدين لرجال الأمن. في هذه المدينة المتطورة، ليس من الغريب رؤيتهم يحرُسون الأحياء والأزقة ليل نهار، يراقبون السجون ويتدخلون عند الإضرار والمساس بأمن وسلام هذه المملكة. عملهم يتمركز حول وجودهم كدرع لحماية حياة وأرواح رجال الأمن والمواطنين.
صناعتهم كان لعباقرة البشر الفضل الأكبر فيها، أما تطويرهم ومنحهم خصائص جديدة كان وظيفة سحرة الابتكار. وهؤلاء صنف من السحرة الذين يعتمدون على ما يسمى ب"الطاقة الداخلية"... نظيرتها تكون "الطاقة الخارجية".
الأولى تتواجد داخل أجساد كل البشر نتيجة النشاط الدائم للذرات، والثانية متواجدة في الوسط المحيط. غير أن السحرة يتميزون عن البشر الطبيعيين بقدرتهم على الاستفادة من تحولات هذه الطاقة سواء أكانت داخلية أم خارجية دون الحاجة لوسائط.
"يمكنني سماعها.."، تمتم الفتى ونظراته معلقة على أحد الآليين بالشارع. بعينيه اللتين حاك لونهما اخضرار أحجار الزَبَرجد الكريمة، راقب تحركات الآلي المجدّ في عمله.
هبت ريح قوية ونجحت بنزع الغطاء عن رأس الفتى، برز لون شعره الأبيض أخيرا منسابا مع التيّارات العاصفة. لكن لم يرف له جفن ولم يتشتت تركيزه، فهو على خلاف الجميع، يمكنه سماع أصوات تحذيرات صارخة تحملها الرياح الباردة.
"هناك خطر..."
حيث يقف الآلي كان يقبع غطاء حديدي يسد فتحة المجاري قربه، الناس تخطوا فوقه جيئة وذهابا والآلي ينادي بهم ليسرعوا بالعودة إلى منازلهم.
في غفلة من الجميع، وفي حدث لم يكن بالمتوقع بتاتا خصوصا أن الليل لم ينتصف بعد، اهتزّ الغطاء الحديدي لوهلة مثيرا انتباه امرأة وطفلتها كانا على وشك العبور فوقه.
أنت تقرأ
أيها السحرة! احذروا الفرسان
Fantasyحتى بعدما أغرق الطوفان أرضهم، لم يستسلم البشر و عزموا على إقامة حضارة جديدة ، و حتى بعدما مُسخت الحيوانات، و زَحَفَت جُثَتُ ضحايا الطوفان من أعماق البحر، مبعوثين للحياة من جديد على شكل هياكل عظمية، متلهفين لسفك الدماء و إسقاط الأرواح، إلا أن البشر ل...