الفصل الرابع عشر : عضعض، عظمي، عظمة - حكاية ويليام

4.2K 356 639
                                    

"هيه!  هل تعتقد أن شاهد قبري يبدوا جميلا؟؟ "

عن التحديق بالغابة الخضراء انسحب ويليام، التفت ينظر نحو يوداليت المحتضن لشاهد قبره الحجري. في صمت قضى زمنا طويلا يحدق به، صديقه قد كان متحمسا يعمل بجد لتزيين الحجر بأنوع الزهور الخلابة. 

بعد تلك الليلة المُفْزِعة، رحلت الغيوم و انسحبت الرياح. احتضنت شمس يوم جديد بدفئها القرية، فخرج القرويون يحصون الخسائر التي خلفتها العاصفة. الطيور من مضاجعها حلقت و غدت في الأرض بحثا عن ما تسد به رمق جوعها، و الوحوش انبعثت من مخابئها تجوب الغابة من جديد.

السيول جرفت التربة و النباتات، فتأذت المَزَارع و المحاصيل، فيما مضى كانت خضراء يانعة، أما الان فما وجد القريون أنفسهم إلا أمام برك طينية. كانت تلك خسارة كبيرة، كلاي قرر تقديم يد العون و الثلاثة من الطاقم أيضا. ويليام كذلك دأب على فعل ما استطاع للمساعدة.

إلى أن جاءه وسواس يدعى يوداليت، هذا الصبي قصده و اخذ بالهمس والوسوسة له، يغويه و يحاول جره بعيدا عن فعل الخير. و الغلبة في النهاية كان ليوداليت، حيث خسر ويليام أمامه و قرر الإنصياع له و اللحاق به للتسكع معا في الغابة.

و كما العادة قضى يوداليت وقته مع الكوليبس في الحفر و المزاح و اللعب، لكن هذه المرة ويليام لم يتراجع للخلف، بل انظم لهم مساعدا إياهم في الحفر. في البداية كان متوترا و قلقا، لكن بعدما اطمأن فؤاده للكوليبس، انخرط في أجواء الاستمتاع أخيرا. و هناك وجد جوابا لسؤال راوده قبل مدة، 'يوداليت و الكوليبس يحفرون معا متعاونين، لكنهم استغرقوا كل هذا الوقت؟! إنه مجرد قبر و ليس بئرا. '

تساءل طوال الوقت عن سبب تأخرهم في الحفر و استغراقهم أياما، رغم أن يوداليت كان يأتي بمجارف ليستعملها هو و الكوليبس. عادة ما كانوا ليأخذوا وقتا طويلا، يوم واحد كان ليكون كافيا.

لكن عندما انضم للحفر، اكتشف سبب هذا التأخير. فبينما الكوليبس كانوا يحفرون بكل إخلاص و جد ، يوداليت كان يقوم بإعادة التراب و ملئ الحفرة دون أن ينتبهوا له! ذلك جعل ويليام متعجبا، فرغب بالسؤال لكن قبل أن يتفوه بكلمة ابتسم له يوداليت و همس ب"هشش" من بين شفتيه.

توقفوا ليأخذوا وقت راحة، كما العادة الكوليبس ذهبوا لجمعِ الحطب، بينما ويليام جلس يراقب يوداليت عند شاهد قبره يزينه.

خلال تحديقه به، رسم الحزن معالمه على وجه ويليام، فهو و يوداليت قد صارا صديقين، عاشا معا الكثير من المغامرات و الأحداث. والتفكير بأن يوداليت يوما ما سيقفز ليموت، جعلت حزنا أشد من السابق يدب في نفس ويليام، ضاق قلبه بؤسا و شفقة. لقد تعلق به حقا، و رحيله سيكون مؤلما جدا، ذلك أمر لا ريب فيه.

لذا قرر ويليام السؤال من جديد " لما تفعل كل هذا ؟ هل حقا تريد قتل نفسك؟ " اعتصر قلبه حزنا، بينما الآخر رد مستنكرا السؤال "هل يعقل أنك تراني مجنونا؟ لما سأود قتل نفسي؟ صحيح أنني أحفر قبرا، لكنني بالطبع لا أنوي قتل نفسي بدون سبب. أحب الحياة يا هذا! أنا قمت بإعداد هذا المكان للإحتياط!  لقد أخبرتك بهذا سابقا بالفعل! "

أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن