على صفحات كتابه يخط باستمرار، خربشة القلم على السطح الورقي تعلو من كتابته المضطربة لكلماتٍ تبعثرت على سطوره.
كلما كتب يخطئ فيضطر للشطب على كلماته الفارغة، وليس يستوعب معناها حتى! والسبب عجزه التام عن التركيز في حل واجبه المدرسي السخيف هذا..
أطلق تنهيدة من أعماقه نابعة، وعاد للخلف مستسلما عن إنهاء عمله. كان براين فتى لم يتجاوز السادسة عشر من عمره بعد، شعره الأشقر القصير مبعثر كأنه لا يزعج نفسه بتسريحه.
انبعاث الدخان عند زفيره دليل عن مدى برودة الأجواء، حتى أن الشحوب العليل لوجهه يؤكد نزول الحرارة لما دون الصفر! لكن، ما يرتديه براين من ملابس كان أخف من أن يُعتَبَر مناسبا.
مجرد قميص صوفي طويل، لا يرتدي أسفله إلا طبقة واحدة خفيفة من الملابس. سرواله من قماش ثقيل نسبيا، لكنه ليس كافيا للشعور بالدفئ المطلق وصد البرد القارس.
ورغم ذلك، الزمهرير لم يقتص منه شيئا، إذ أن براين كان معتادا، كما أن الأجواء الباردة كانت آخر همومه.. وهو جالس يحدّق بواجبه على الطاولة الخشبية الصغيرة، كان يسمع ضجيج الأطفال في الحي يتعالى. صراخهم وصياحهم يندمج مع صوت آلة الخياطة خلفه...
الغرفة التي هو بها صغيرة ومظلمة، أجواءها كئيبة، والنور القليل الذي يتسلل عبر النافذة الصغيرة ليس يضيء شيئا، ولو حتى محيطه، فكان يُشعر براين كأنه سجين، ما يجعل نفسه تضيق.
ولكونها الغرفة الوحيدة في منزلهم القديم، فقد كانت تتم معاملتها كغرفة للنوم والجلوس والأكل وحتى العمل، فلا عجب وجود آلة الخياطة خلفه، ووالدته أمامها منهمكة في عملها.
كلما نظر براين حوله يرى الفوضى، لا شيء في مكانه لأنه لا مكان لأي شيء. ملابسه هو ووالدته قليلة، لكن الأدراج الصغيرة لا تكفي لحفظها، لذلك أحيانا يقومان بطيها ووضعها جانبا، فتأخذ حيزا صغيرا، لكن في عيناي براين يبدو كبيرا جدا بسبب ضيق المكان.
لا يملكان خزانة، لذلك لجأت والدته لتعليق معاطفهما الضخمة خلف الباب الفاصل بين الغرفة والمطبخ الصغير. بعضها معلق فوق بعض، شكلها الفوضوي ملوِّثٌ للعينين، ومن حجمها الضخم وثقلها كانت لا تسمح للباب أن يُفتح كاملا إلا بالكاد..
وإذا نظر للسقف يرى بقعا سوداء منتشرة عند الزوايا، بسبب الرطوبة العالية تتشكل وتتوسع وتبني مستعمراتها في منزلهم على الجدران. والدته حاولت التصدي لها بطلاء المنزل كل حين وآخر، لكن ذلك لم يعد عليهما بفائدة كبيرة. إذ خسرا المال فقط، وقامت الفوضى أكثر لضيق المساحة الذي لا يساعد أثناء تحريك الأثاث لطلاء الجدران، كلاهما عانا، والبقع السواء لازالت تعود وتظهر رغم طلاء الذهان فوقها، كأنها تتحداهما!
أنت تقرأ
أيها السحرة! احذروا الفرسان
Fantasyحتى بعدما أغرق الطوفان أرضهم، لم يستسلم البشر و عزموا على إقامة حضارة جديدة ، و حتى بعدما مُسخت الحيوانات، و زَحَفَت جُثَتُ ضحايا الطوفان من أعماق البحر، مبعوثين للحياة من جديد على شكل هياكل عظمية، متلهفين لسفك الدماء و إسقاط الأرواح، إلا أن البشر ل...