الفصل 102 (1): الذين سكنوا الوديان الخضراء.

1.8K 220 376
                                    

اهتزاز المركبة أنذر الركّاب باقترابهم من وجهتهم، إذ تنتهي الطريق المعبّدة الملساء عند دخول المناطق المهجورة.

تتوالى المدرّعات العسكرية واحدة بعد الأخرى في صفٍّ منظّم، تقوده المركبة الأم حيث يجلس قائد المهمّة والمجموعة الأكثر قدرة على مساندته.

السائق عسكري نمطي، رجل ذو خبرة عقود في قيادة المدرّعات، شارك في المهمات البسيطة والكبيرة، وليست أوّل مرّة له في مرافقة الفارس العظيم وفريقه، لكنها وبدون شك أوّل مرّة له بعيش أجواء ثقيلة كهذه.

وليس السبب طبيعة المهمّة، إنما الهالة التي تخنق الجوّ من الجالسين خلفه. وكان السائق يقسم لنفسه وهو يشاهد انعكاسهم عبر المرآة الأمامية، أنه لولا وجود كلاي، لسُفِكت الكثير من الدماء.

حضور كلاي لم يكن مصدر أمان بالنسبة للسائق فقط، بل اطمئنانا أيضا لبعض المساعدين من البشر النمطيين الذين صودف وأن قذف بهم حظهم في المركبة الأم.. كانوا سعداء بذلك في البداية، حتى دخل الشاب ذو الشعر الأبيض المركبة، فقفزت السعادة عبر النافذة.

كان جلوس إيرليس في نفس المركبة مع شيلينغ محنة لم يلقي لها كلاي بالا، ولربما السبب أنه قضى وقته منشغلا بمحادثة ويليام عبر السماعة المعلّقة في أذنه، "نكاد نصل القطاع العاشر، المنطقة قريبة من الغابة، وعادة تكون أوّل محطّة لنزوح الكوليبس، إذا طردناهم عودة من حيث جاؤوا، فيمكننا اعتبار المهمّة منتهية".

"... اه، فعلا...".

جواب ويليام جاء ناقصا من الكلمات ومفتقرا لنبرة التفاعل المطلوبة من القائد الحقيقي للمهمة، وشيئا فشيئا بدأ يبلغ كلاي كامل الاستيعاب بكون تلميذه الوحيد ليس حاضرا بجانبه.

ليس أمرا جديدا، خرج الفارس العظيم وحده في ألف مهمة، لكنه لم يكن مضطرا للبقاء في اتصال عن بعد مع الأمير في أيّ منها.

هذا الوضع جديد كلّيا عليهما معا، وقد تخيّل كلاي ويليام عابسا في غرفة القيادة يشاهد عبر الشاشات تحرّكات الكتيبة، وشُبِّه له الأمر بطفل عاقبه والداه باحتجازه في غرفته ومنعه من اللعب في الشارع، فجلس مستاءً يكتّف ذراعيه أمام صدره ساخطا.

فقط التفكير بالأمر دغدغه، وبدل مواساة ويليام علّق ضاحكا، "هذا ظريف، أنتَ فعلا ما تزال طفلا صغيرا".

"همم؟ ماذا؟".

صوت ويليام وصل هادئا مجددا عبر السماعة، وبدا كأنه كان شاردا ففوّت فرصة سماع ما نطق به أستاذه، وهذا الأخير استمرّ يقهقه دون تكرير ما سبق، "لا تأبه لذلك.. ولا تكن قلقا جدا، سيمضي كل شيء على خير".

"اه، حسنا..."، جاء جواب ضحل آخر من ويليام، يفتقر لشيء لا يستطيع كلاي تحديده، ولو أنه لم يكن يعرف تلميذه لقال أن المفقود في نبرته هو الاهتمام، وأن باله مشغول بشيء آخر غير المهمة.

أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن