الفصل الثامن والتسعون: عدو من الماضي.

3.6K 315 854
                                    

أصدرت الأجهزة رنّة صفير واحدة، تنحى الطبّ خارج المستطاع، ونزل الموت يأخذ روح الصبية. الطاقم الطبي الهاوي إلا الطبيب المتمرّس الذي أشرف على العملية وقفوا يتبادلون النظرات حول الجثة الصغيرة المغطاة، بقع الدم لطّخت السرير، الغطاء، ملابسهم وقفازاتهم.. وبعضهم فكّر أن مظهرهم أقرب للقتلة من المنقذين.

العيون الضائعة في الغرفة اتّجهت صوب المسؤول والخبير الوحيد، الكل انتظر في صمت كلمة منه.. أسيكونون في ورطة؟ ماذا عن العائلة التي تنتظر بالخارج؟ ما الذي يجب عليهم فعله تاليا؟

الأسئلة الصامتة كانت مسموعة، لربما لأن الجميع كان يفكر بنفس الشيء في ذات الوقت... إلا طبيبهم المسؤول. ..

براين كان يفكّر بجدية أنه لو فقط تواجدت نافذة في غرفة العمليات، لرمى نفسه منها في الحين واللحظة.

وتمنى لو أنه استجمع شجاعته وأخبر الممرضة قبل الدخول لغرفة العمليات أن اسمه يكون "بريان"، وهو أخ براين التوأم الذي ليس ساحرا ولا طبيبا حتى. لربما آنذاك ما كانت لتُعلَّق مسؤولية روح على رقبته..

في النهاية نظر للممرضة الأكثر خبرة بعده بجانبه، رأى وجهها شاحب فعلِم أنه لن ينفعه تمثيل الإغماء أمامها، فلو فعل ذلك ستسقط هي بجانبه ميتة بسكتة من الهلع، ثم تتعلَّقُ حياة روح أخرى حول رقبته...

وانتهت كل حلول الأرض وعلم أنه لا مفر من مواجهة الأسرة وزفّ أخبار الفشل إليهم... ومجرّد التفكير بذلك يجعل طاقته تنهار! اجتماعيا، هو الأسوأ في الحديث للمرضى وعائلاتهم! لكنها تبقى مسؤوليته شاء أم أبى.. حتى وإن كان لا يعرف ما الذي عليه قوله.

هذه التجربة كانت الأولى من نوعها بالنسبة له، صحيح أنه شهد وفاة عدد من مرضاه، إذ كانوا على فراش يعانون من أمراض مستعصية، وهم وذويهم وكل طبيب أو ممرض في المستشفى يعلمون أن الموت يأتي لزيارتهم ويوما قريبا سيأخذهم. لكن الموت أبدا لم يدخل قاعة عمليات وطأها براين قبلا..

سُمي بالمعجزة وذاع صيته لأنه ينتزع مرضاه من براثن الموت. ولم يكن دائم الاعتماد على سحره في ذلك، إذ أن مهاراته ومعرفته أكثر إبهارا! لكن يا للأسف، حالة الصبيّة اليوم احتاجت تدخلا أساسيا للسّحر...

سيره في الممر كأنه يمشي لمقصلته بقدميه، وتمنى لو أن الرحلة عبره لا تنتهي.. واستمر يخبر نفسه ألا يضحك في وجوه عائلة الفقيدة، ألا يخبرهم أنهم أحضروها له مقطّعة فماذا ينتظرون منه؟ استمر يحاول إعطاء تعليمات لنفسه بألا يواسي لأن مواساته تخرُج سخرية.

فمنذ زمن بعيد علّم ذاته أن يداري ألمه بالضحك عليه، ما طوّر له بعد مدّة حسا فكاهيا أسودا ومريضا. ليس الكل سيتقبله، وليس أحد سيفهم أن هذه طريقته في التعبير عن قلقه أو حزنه، ولا أحد مُطالب بأن يتفهّم.. لكن براين مُطالب بأن يكبح لسانه ويسيطر على نفسه.

أيها السحرة! احذروا الفرسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن