الفصل الرابع
جحر الشيطان
ما زال للعشق بقية.يبقى أثر الزكريات في رُكنٍ جميلٌ في القلب حتى وأن كانوا سُكانها غير موجُدين.
جلس الصغار يحفظون القرآن الكريم سويًا في غياب خديجة، فما أن فرغا، رفعت أروى عينيها فيهن قائلة في تذكر، مفعم بالحماس :
- انهاردة عيد ميلاد اسلام و وليد، تعرفوا؟ قالولي هنكلمك طول الليل عشان ندردش سوا، يارب يجوا عشان وحشوني اوي؟
تبسمت ملك في صفاء، فقالت لمياء في شغف :
- وأنا كمان وحشوني هما هيجو امتى؟
صرخة.. صرخة عالية شقت هدوئهم وهمسهم وهزت فروع الأشجار حولهم وفرت الطيور مزعورة، صرخة كانت تشي بكارثة حلت، هبت اروى مزعورة قائلة في زعر وخوف :
- دي ماما.
ركضت فور جملتها إلى الأعلى يتعقبها الفتاتين، كان يوسف يجلس في غرفتة قد جاء أنفًا من المشفى مبتغيًا الراحة رويدًا، ليتناهى له صوت صراخ سجى، فدون تفكير كان يهرع للأعلى في خوف وجدها تصرخ بهستريا بإسم زين والهاتف في يدها، أروى تقف على عتبة الغرفة تبكي لبكاءها، والصغار جميعًا تأثروا لذلك، بينما مكة تحاول معرفة ما بها.
قبل دقائق من الآن، كانت تستلقى على الفراش تشعر بالإعياء، ليرن هاتفها بنغمة زين المخصصة، لترد في شغف سرعان ما تلاشت فرحتها وهو يقول في صوت متهدج :
- سجى! سجى أسمعيني مفيش وقت قدامي..
هبت جالسة تتساءل في لوعة وجزع :
- زين؟! أنت بتقول ايه؟ مالك؟! ليه بتقول كده؟
ثُم أستطردت في دهشة وقلق :
- إسلام و وليد بيبكوا ليه؟ ايه الصوت دا في ايه؟
قاطعها زين هامسًا في محبة :
- سجى أسمعيني أرجوكِ، خلي بالك من نفسك، عيالي وأسراء أمانة عندك أنتِ وياسين خلي بالك منهم ومن نفسك، عائشة أنا عارف أنكم هتهتموا بيها، بس العيال أمانتك يا سجى متسمحيش لحد يأزيهم ولا يأزيكِ.
لاذت سجى بالصمت أنسابت دموعها متأثرة بكلماته التي فطرت فؤادها، لا تقو على تحريك شفتيها كأن لسانها قد عُقد، صوت ضجة عالية وصراخ وبكاء وأحتكاك سيارة نبئها أن ثمة أمر واعر، تمتمت من بين دموعها وهي تنتصب واقفة :
- زين ... في ايه؟ أنت روحت فين؟ ليه بتقول كده؟ أنت بخير صح؟ العيال دول عيالي مش عيالك، زين أنت اخويا وابويا وصديقي وكل حاجة، أنا اه لقيت أهلي بس أنت كل أهلي انت واسراء قولي في اي انا خايفة.
تنهد زين في عمق وأجابها قائلًا وهو ينظر لمن وقف على مرمى بصره مستند على السيارة في إسترخاء وبسمة مظفرة :
- سجى مش هوصيكِ تاني العيال في أمانتك، قولي لــ للمار تكلم ضياء في أسرع وقت حياتك في خطر!! سجى يا بنتي اي نعم مفيش روابط جمعتنا بس تأكدت من يوم ما شفتك ان الروابط مش بالدم دي بالمحبة يا بنت عمري، هتفضلي الغالية يا أجمل صدف القدر....
إنفجار... دوى صوته مع غياب صوته المحبب، لتصرخ بصوت رج المكان رجًا، بإسمه، أخيها الذي لم يكن أخيها؟ أخيها الذي لم تجمعها معه أواصر دم فجمعتهما أواصر الألفة برباط متين سرمدي، رباط جعلها تدرك أن الحب ليس فقط بروابط الدم وأن أحيانًا كثيرة الغرباء يكونوا ملاذ وأهل حقًا، رباط أعلمها أن أوارصر الدم لا شيء إزاء اواصر المحبةً والقلوب، القلوب دائمًا ما تعرف ساكنيها، هكذا دون إنذار، هي فقط تصحو من غفلتها ما أن ترَ ساكنيها، لتهفو الروح لهم ويسكن القلب مرتاحًا أمنًا.
أخذها يوسف في حضنة يحاول تهدئتها، الآن فقط أحست وعلمت معنى العمى، الآن فقط أسودت الحياة أمامها، فقد رحل نجمها الثاقب الذي كان يضيء عتمة أيامها، رحل تاركًا آياها جسدًا بينما الروح والقلب قد احترقا معه، ذهب مغادرًا دون وداع، وهو الذي كان يحاكيها صباحًا ومساءً ليطمئن عليها أحقًا رحل؟ رحل الذي ألقاه القدر لها مغيثًا، أمنًا، وسعادة، وسندًا، أرحل حقًا لن تراه مجددًا، لماذا تشعر بالضياع واليتم إذًا، قد ترزقنا الحياة بشخصًا يكون الحياة وما فيها وفي غيابه تغيب الحياة ومن فيها.
أنهارت سجى أرضًا وهدأت صراخها تدريجيًا، كان ما زال يضمها لصدره بكى تأثرًا لصراخها وكلماتها قد مزقت فؤاده لإشلاء، همهم وهو يمسح على رأسها في رفق :
- سجى.. مالك ياحبيبتي في أي؟ قولي لخالك حبيبك؟
لم يأتيه رد فلاذ بالصمت يضمها بشدة إليه يمسد على ظهرها في حنان أب حتى أستمع لصوتها المبحوح يقول في وهن :
- زين مرحش مش كدا؟ هو مش هيسيب اخته، أخته اي؟ أنا بنته اللي رباها.
رفعت رأسها لـ يوسف الذي كان مزهولًا من حديثها متعجبًا لا يدري ما حصل:
- هو مماتش صح صوت الإنفجار دا كان بعيد مش هو، صح؟ أنا ليه حاسة إني يتيمة، حاسة ان الدنيا ضلمة أوي حاسة أني خايفة، أنا ليه حاسة بالضلمة كدا، هو زين مات خلاص؟ عيني اللي اتحرمت منها راحت تاني.
ذاد بكاء مكة وهي تضم الصغار، ليقول يوسف بدهشة :
- مين مات؟ أنتِ بتقولي ايه؟ إنفجار ايه؟
نظر إلى مكة ربما تعلم شيئا ألا أنها هزت رأسها في آسف، فأشار لها قائلًا :
- خدي العيال دلوقتي ورني على عائشة شوفي في اي؟ وقولي لياسين يجي.
بقت سجى على حالها، لا تتحرك ساكنة كأن أطرافها شُلت كـ قلبها، وراح يوسف يمسح على شعرها في حنان يتلو القرآن بينما سبحت هي في عالم صنعته لنفسها فقط هناك زين وإسراء شقيقيها الذين جمعتها بهم الصدف،تنادى الأحبة عسى أن يأتوا ، صورته لا تبارح مخيلتها، بلى بالها وقلبها، يا ليت الزمن يتوقف لتظل داخل أحلامها الوردية، كلا تشعر بالوجع ، آه من الوجع ذاك الرفيق لقلبها آهٍ، وآه لفؤادها المكلوم بثغرة لن تداوى، يا ليت قبل رحيلة تسنت لها فرصة لقاءه لتودعه آخر وداع، لتقول له أشياء كثيرة كانت تود قولها، إنهِا أنها أشتاقت له من الآن وفاض القلب حنانًا. لقد غادرها قلبها ونبضة، وهفت روحها لرؤيته، كانت تأمل أن كل ما مر ليس ألا خدعة أو مزحة هكذا كانت تُمنى فؤادها ليصبر، سيعود حتمًا، ما للغائب ألا العودة ذات يوم، المهاجر سيرجع لوطنة فمرارة الغربة بشعة.. موحشة.
جاء ياسين فورمحادثة مكة له قلقًا خائفًا على محبوبتة، دخل إلى الغرفة بقلب يسبقه وروحًا تهفو إليها، صُدم ما أن رآها في حضن والده منهارة على الأرض شبة جثة في إنتظار نعشها لتتوارى تحت الثرى، ظل محدقًا فيها في صدمة تجلت على ملامحه، غادرها مصحوبًا بضحكتها التي تحية فيعود ليجدها قد غابت مع ضحكتها لتغيب شمسه وقمره، دنا منها بتؤدة هامسًا في نبرة تكاد تُسمع :
- سجى ... حبيبتي ايه حصلك؟
تلك المرة الوحيدة التي لا تجيبه فيها، إنحنى على ركبتيه ينظر إلى ملامحها الوهنة التي غرقها الدمع وعيناها المغلقة في إستسلام وجسدها الذي تهدل كليًا، حرك كفه على وجهها هامسًا بأسمها ألا أنها همست كأنها تحاول أن تستعب ما حدث:
- زين... زين مات؟!
تساءل يوسف دون أن ينظر إليه :
- مكلمتش عائشة او إسراء حتى؟
هز ياسين رأسه وهو يتفحص سجى بخوف :
- بتصل محدش بيرد، هو ايه اللي حصل؟
غمغم يوسف بتمنى :
- يا ريت أعرف!
أنت تقرأ
رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتمله
Actionترعرعت بين يديهِ ، كان هو كُل دُنيتها ، سراجُ حياتِها المنير ، هي العمياء التي لم تدر مِن الحياة إلا هو ، ليأتي القدر وينتشلها منه فـ تغداَ حياته ظلامًا بدونها ، عشق نشب منذ الصغر فرقه القدر ، فهل يجدها ؟ يجد تلك العمياء سالبت روعه ؟