جحر الشيطان ج3
ما زال للعشق بقية
الفصل ( الأخير )( الوداع )
النهاية في بعض الأحيان تكُن بداية، و الوداع قد يبقى أثرهُ في الفؤاد أبد الدهر لا يُنسى وإن كانوا صحاب هذا الوداع من محض خيال.
ها نحنُ أُولَاءِ في الوداع الأخير، مع بطلة رواية سنشتاق لأحاديثها عن صحابة المصطفىٰ التي كانت تغمرنا بالحنين.
ها نحنُ نلقي النظرة الأخيرة علىٰ خديجة التي ستكمُن حتمًا في قلوبنا جميعًا لا لشيء إلا إنها قد علمتنا شيئًا في ديننا، أو غيرت في قلبنا وطرًا، أو ربما لإنها علمتنا إن هذه الحياة فانية، والجنة لن ندخلها بيسر بل تحتاج منا لجهد.
لن اقول وداعًا يا خديجة فستبقين في قلبي وقلوبنا جميعًا لا شكً.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنطلقت سيارة سوداء تعبر الشوارع في طريقها إلى المطار، تتبعها أخرى تحمل قدرًا لا بأس به من رجال الحراسة، وبداخلها كان آجار يجلس في المقعد الخلفي، وبجانبه كوان، مرت عليه أيام طوال في السجن حتى خرج، بعد ما تنصل من كل التهم الموجهة إليه، فـ آراس قد أبلغهم إنه عاونه في كشف رجال المافيا، وبعلاقات السيد كوان أخلوا سبيله بكل بساطة.
انبعث صوت كوان يقول في عتاب محبب :
_ لن أسامحك على هذا يا آجار، كان يجِب أن تبقى حتى إلى الغد، لقد خرجت اليوم من السجن، لمَ هذي العجِلة!
كان آجار شاردًا، عيناه معلقتان عبر زجاج النافذة، والتفت إليه باهتمام، وتبسم بسمة خفيفة وهو يقول في حنين :
_إنه الحنين إلى عائلتي يا سيد كوان، حنين يملء قلبي حتى أظنه سيفيض ليملأ العالم برمته.
سكت لـ هنيهة، ثم أردف بعينان تتألقان :
_هذه أول مرة سأخطو أرضي على إنني واحدًا منها، أول مرة سيجمعني بيتٍ واحد بكل من انتمي إليهم.
وأستدرك فجأة، في مرح :
_ ثُم يا رجل لقد قضيت اليوم كله معك ألا يكفي هذا؟
لوح كوان بكفه في نفي، وقال في نبرة محتدة :
_ بالطبع لا يكفي، لقد خرجت وأخذت حمامًا وأبدلت ملابسك ونمت ساعتان ثم أستيقظت كمن يتلبسك مائة من الأشباح وليس على لسانك إلا مصر، فمتى جلست معي يا فتى؟!
تنهد آجار، وقال له بنبرة تقطر شوقًا :
_ لقد أستبد بيّ الأشتياق للأحبة فما أملك الحق على نفسي، إن الشوق يحركني.
غمز كوان وهو يقول في مشاكسة :
_ زوجتك!
ضحك آجار بإنطلاق، كأن ذِكرَها يداعب أوتار قلبه، وغمغم :
_ بالطبع .. كما إنه بعد سنون طوال ها قد حان الوقت لأجتمع بعائلتي التي حُرمت منها.
صوَّب بصره نحو زجاج مقدمة السيارة كأنما يرجوا السيارة أن تستعجل، والطريق أن ينتهي.
فـ أردف كوان وهو يربت على كتفه :
_ جمعك الله بهم يا بُني دائمًا.. وأتمنى أن توصد البيبان في وجه أيُّ فراق قادم لحياتك، أنك تستحق السعادة يا آجار.
قال آجار بامتنان وهو يلتفت إليه بوجهه :
_ هذا اليوم لم يكن ليأتي لولاك يا سيد كوان.
ربت كوان على فخذ آجار وهو يقول :
_ لم أفعل إلا ما يحتمه عليّ ضميري يا عزيزي آجار، ثُم إنك لم تقتل نجيب لقد وقع بنفسه من الهليكوبتر على مرأى من الجميع، ومراد لقد اثبت الطب الشرعي إن موته جراء ارتجاج عنيف في المخ وهذا بسبب سقوطه من السيارة.
رمقه آجار بنظرة ماكرة وهو يقول في تخابث :
_ ربما كذلك بالفعل، ولكن هذا لم يكن ليحدث بهذه السرعة لولا حديثك مع الكبار.
ومال عليه، وهو يسترسل :
_ عجبًا! كيف تخضع لك الشرطة بكل هذا الخنوع يا سيد كوان.
قهقه كوان ضاحكًا، وقال من بين ضحكاته وهو يحرك إبهامه فوق إصبعين من أصابعه :
_ إنها الفلوس يا عزيزي آجار، تفعل بالمرء ما لا يفعله اي شيء قط، بعض الناس عبدة وكلاب للمال يا فتى ..
واعتدل ناظرًا له باهتمام، وهو يقول :
_ لو جدتك هن..
احتدَّت نظرات آجار، وقاطعه قائلًا بلهجة عدائية :
_ ما بها جدتي يا رجل.
هم كوان أن يقول شيئًا، لولا إن انبعث صوت سائقه بغتة :
_ لقد وصلنا يا سيدي إلى المطار.
في وقت واحد إنفتح كلا البابيّن من شباب الحراسة، فتبسم كوان وهو يهبط قائلًا :
_ ها نحنُ ذا وصلنا إيها الشاب المتعجل في كل شيء.
دار آجار حول السيارة، و وقف ليصافح كوان الذي قال :
_ لقد فهمتني خطأ يا صاح، ولم تنتظر لإتمام حديثي، فقد كدتُ اتابعُ قائلًا إنه لو جدتك هنا، لكنّا بخير، يسُؤني إلا يوجد مثلها في هذا العالم، فلو كان لكان الآن العالم بخير، لا يشتكي من مظلمة، ولا جريمة، ولا خوف من السير في الطرقات مهما كان الوقت، إنكم محظوظون بها، بلغها سلامِ الحار، وأعلم يا فتى إن لكَ هنا صديق وبيتٌ آخر مفتوحٌ لك في أي وقت.
أجابه آجار في ود :
_ إني محظوظ بمعرفتك يا سيد كوان، واعلم أنت ايضًا لك بيت في مصر في أي وقت ومتى أحتجتني ستجدني رِهن إشارتك.
خبط كوان على ذراعه وهو يقول :
_ اعلم هذا يا فتى، يحزنني رحيلك حقًا.
_وانا أيضًا.
_يا لك من مخادع.
قالها، كوان وهو يجذب آجار في حضنه، قائلًا :
_دعني اودعك يا صاح، فقد لا نلتقي مجددًا.
ربت آجار على ظهره وهو يقول :
_ ما الذي كنت ستفعله مع نجيب لو لم يمت.
قست عينا كوان فجأة، وقال في شراسة مخيفة :
_ كنت سأعتصر عنقه في يدي كي لا يفكر أبله مثله في أذيت من ينتموا ليّ يا رجل، لقد كان غبي حين فكر إنه يمكنه قتلي بكل سهولة.
أنتهى حديثهم، بجلوس آجار يحتل مقعده داخل الطائرة التي ستقله إلى القاهرة، وإرتفع صوت المضيفة، قائلًا :
_ سيداتي وسادتي رجاءًا ربط أحِزمة الأمان، والأمتناع عن التدخين، فالطائرة ستقلع الآن.
ربط آجار حزام الأمان وعقد ذراعيه وهو يسترخي في مقعده وأسبل جفنيه، وانهمر الحنين في أعمق اعماق قلبه، وهو يتذكر تلك اللحظة التي كاد قلبه يتوقف فيها بالتحديد يوم عملية حبيبته منة ( منته) كما يسميها، عندما خرجت خديجة منهارة في البكاء وظن قلبه إنها النهاية، فإذا بها تضحك من وسط بكاءها لترد له الروح، قائلة :
_ لقد نجحت العملية، لقد نجحت، لقد نجحت.
نعم لقد نجحت العملية، نجحت وردت ليّ روحي امانة مطمئنة
غريبُ أمرُ الحياة،من كان يحسب إن حياتي ستنقلب؟
وإني سأولد من جديد بإسم جديد، إسم على مسمى ( وليد) كأنما ولدتُ من جديد حقًا.
لا أزل أذكر تلك اللحظة التي انتعش فيها قلبي، عندما نجحت عملية منة، وقتها همست في اذنها، قائلًا :
_إسمي وليد، ناديني من الآن بوليد، فإنني ولدتُ من جديد، وقد مَّن الله عليَّ بحياة جديدة، حياة ليس بها هذا الـ آجار الذي لا أنتمي له ولا ينتمي ليّ، إنني إبن زين القاضي وحفيد لمار الشرقاوي لم أكن يومًا ذاك الشيطان الذي كان يقبع بداخلي، كل ما أرجوه أن تنتظريني مهما طال الغياب والفراق فحتمًا سأعود إليكِ لإنك موطني.
همستُ بها قبل رحيلي إلى السجن، ربما تظنون إنه كان أسر وعقاب بالنسبة ليّ، ولكني على العكس لقد كان ليّ محربًا اتعبد فيه بعيدًا عن العالم أجمع، كان محرابي بداية لقربي من الله عز وجل.
بداية لقلبٌ جديد ..
ينبضُ من جديد ..
يشتهي مغفرة تنسيه كل خطاياه وما اقترفت يداه ..
كانت أيام جلستُ فيها لا ابرح عتبة الرحمن، أبسطت كفي بكل يقين إن الله سيفتحُ ليّ باب الإستجابة، وسيهمى عليّ بالفرج، وسيبدد ظلمة نفسي بنور الإسلام، ألا تقولُ خديجة ( حاشا لله إن يرد عبده خائبًا، حاشاه أن لا يعوضه، حاشاه ألا يمنن عليه من كرمه الواسع، إنه الرحمن الرحيم الحنان المنان فحشاه ألا يطبطب على قلب عبده، يكفى أن يكتفي المرء ويعتصم به وسيجد الرضا والراحة في فؤاده حتى يظن إنه الوحيد على وجه الأرض)
كم رائعة هي خديجة، دائما تبثنا جميعًا بالأمل، وتداوي ندوب قلوبنا مهما بلغت صميمُ القلب، إنها كالبلسم يوضع على الجرح يطيب.
وقد طاب قلبي المُثخن بالجراح.
كم جميل أن يكون للمرء عائلة يحتمي بها من مرارة الحياة، عائلة تحبه، تتمنى له الخير، والسعادة، والراحة وليست عائلة بالطمع والحقد تتودد.
لا أدري أأحسدُ نفسي، أم أبكِ فرحًا لإني رُزقت بعائلة هكذه..
يومًا ما ظننتُ إن السعادة لن تطرق باب قلبي ابدًا، وإني سأظل بلى عائلة، حينها كنتُ بعيدًا عن الله بقلبي وجسدي، وها أنا ذا أخبركم من كان الله آنيسه فلا خوف عليه ولا حزن، من كان الله وكيله ففي معية ربه دائم، من كان الله حبيبه فهو من الخلق آمن ومكتفي.
نعم لقد محراب أتعبد فيّ أصلي ولا أبرح المصلى، أقرأ قرآن ببكاء كان يغسل أوساخُ قلبي، دموعًا كانت تطهرني، ويبقى امر واحد يقلقني هل سيغفر ليّ الله؟
سيتقبل توبتي؟
أحين موتي سأدخل جنةٌ أم نار؟
آتراني بخير؟ أنا لست بخير، فالقلق دائم في قلبي، والخوف لا يضعني اتهنى بنوم.
الخوف من الموت على غفلة ..
متى ينتهى هذا الطريق؟
لماذا يبدو ليّ بعيدًا!
كم أودُ لو أغلِق عيناي وأفتحهما لأجد نفسي هناك، بين ذراعي أمي، وفي امان جدتي، وفي حنان إخواني، كم اشتاق أن أرى خالاتي والجميع لو يمر الوقت كلمح البصر وينطفئ لهيب الشوق!
أنت تقرأ
رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتمله
Aksiyonترعرعت بين يديهِ ، كان هو كُل دُنيتها ، سراجُ حياتِها المنير ، هي العمياء التي لم تدر مِن الحياة إلا هو ، ليأتي القدر وينتشلها منه فـ تغداَ حياته ظلامًا بدونها ، عشق نشب منذ الصغر فرقه القدر ، فهل يجدها ؟ يجد تلك العمياء سالبت روعه ؟