جحر الشيطان ج3 ح2

1.7K 87 35
                                    

الفصل الثاني
جحر الشيطان
"ما زال للعشق بقية"

عوضني يا الله على كل ما ألَم بيّ بمنزلةً في الفردوس الأعلى، ورؤية الحبيب المصطفى والشرب من كوثره، اللهم إن كان بلاءً فـ أغفر لي يا غافر الذنب وأعفو عني وتب عليّ يا تواب يا رحيم، وإن كان ابتلاءً فذني وذدني ستجدني صابرة حامدة شاكرة لا اعصي لك امرًا وبشرني بِــ "وبشر الصابرين" يا رحمن يا رحيم.

نزل الخبر على قلب أسماء نزول الصاعقة، وقع منها الهاتف وهي تهب واقفة في صدمة، لم تستعب ما سمعته للتو، ربما خُيل لها ما سمعت؟!
تنفست في عمق، وعشرات الاسئله تتزاحم في ذهنها، وإذا بها تشهق باكيةً في لوعة وقد تملكها الخوف والقلق وكاد أن يمزق أوردتها، أندفعت خارج مكتبها لتنصدم في والدها الذى كان آتيًا إليها، تسائل يوسف وهو يمسك بمنكبيها مزعورًا :
- في ايه مالك؟! حصل حاجة؟ اهدي اهدي وقوليلي في ايه؟
بأنفاس متقطعة وصوتٌ متهدج غمغمت أسماء باكية:
- الـ.... العيال اتخفطوا يا بابا كلهم.
همت أن تسقط أرضً فلحق بها يوسف وهو يضمها إلى صدره قائلاً برفق :
- اهدي يا حبيبتي مفيش حاجه خير بإذن الله، بس تماسكِ كدا، عشان نروح للمار، وبلاش تقولي لحد، عرفتي إزاي الأول؟!
كابدت أسماء وجع فؤادها ورفعت رأسها إليه هامسة في شهقات متقطعة :
- المُدرسة كلمتني... وهي اللي قالتلي.
قصت عليه كل ما أخبرتها به المُدرسة، فأغمض يوسف عينيه في بطئ وهو يقول :
- تمام، تمام.
فتح جفنيه وقال في ثقة ليبثها بالأمان :
- العيال هيرجعوا، أطمني.
ثم أمسك بكفها وغادرا مبتغيًا لمار، وقال :
- يلا نروح للمار وهي هتحل الموضوع أنا متأكد.
استقلا السيارة و وصلا إلى مكتب لمار ودخلا لديها ليخبرها يوسف بما قالته أسماء، فـ تلقت لمار الخبر في صدمة، وهن فؤادها، وتملك القلق من روحها، وجلست مطرقة الرأس تستعب ما علمته للتو، في حين أسند يوسف رأسه إلى الجدار، يدعوا الله أن تمر تلك النكبه بسلام وتنزاح هذه الغمة بخيرٍ وسلامة، لم تكف عينين أسماء من تدفق الدمع، فُتح الباب ودخل ياسين ببسمةً سُرعان ما تلاشت وهو يرَ أخته تذرف الدمع بغزارة، فدنا منها على عجل وهو يقول في لهفة :
- أسماء... مالك يا حبيبتي؟ بتعيطي ليه؟!.
استوت أسماء واقفة وارتمت في حضنه بنشيج مزق قلبه، فردد ياسين بصره في والده ولمار وهو يهز رأسه وتتسائل عينيه عن ما بها، فـ أنتزع يوسف بسمةٌ من الآمه وقال ليطمئنة :
- مفيش حاجة خير بإذن الله، اقعد واحكيلك عشان تسمعني بهداوة.
أمتثل ياسين لوالده وجلس منصتًا له في أهتمام، وراح يوسف يسرد عليه ما أخبرته به أسماء، فـ ضغط ياسين على أسنانه وقد أدراك أن هناك أمرًا جلل وقرر في نفسه أن يذهب لهذهِ المُدرسة، علها تكون قد رأت احدى الخاطفين، او في جعبتها رسالةً ما تركها إحداهم؟
مسح ياسين على وجهه في قلق ونهض قائمًا وهو يقول :
- قومي تعالي أوصلك البيت وبلاش تقولي لحد حاجة.
أغمضت أسماء عينين تذرفًا الدمع وهي تهز رأسها نفيًا، وقالت :
- انا مش هتحرك من هنا قبل العيال ما ترجع.
هُنا ورفعت لمار رأسها قائلة في بحة لا تقبل النقاش :
- قوم يا يوسف روح أنت وبنتك قعدتكم مفيش منها فايدة، أنا هتصرف و وجود أسماء هنا هيقلقني.
ألتفتت إليها أسماء قائلة في عصبية :
- أمشي إزاي من غير عيالي، ومش عارفه هما فين ولا بيعملوا فيهم اي ؟
تنفست لمار في حرارة، ونهضت وهي تكبح ما يعتمل صدرها من غضب تجاه من أخذ أحفادها، وأقتربت من أسماء في تمهل، ومالت عليها هامسة وهي تمسك بكفيها في ثقة :
- أسماء ... أنتِ واثقة فيا؟
رفعت أسماء عينين يغشاهما الدمع وهزت رأسها مؤكدة وهي تردف في صوتٍ متهدج:
- ايوه.
ضمت لمار وجهها بين كفيها وهي تقول في تأكيد :
- قومي روحي مع أبوكِ، وتأكدي أني مش هرجع البيت إلا والعيال معايا، اطمني وعد مني هيناموا في حضنك أنهاردة، وأنا قد كلمتِ.
شُعاعٌ أمل غزا قلب أسماء ليشرق وجهها بنور الأمل مهلالًا، وأومأت برأسها على يقين أن عمتها طالما وعدت ستوفى، وسيعودون أطفالها لحضنها في طرفة عين.
نهضت لتغادر مع يوسف الذى ضم كتفها إليه وأنصرفا، في حين إتسعت عيني لمار بشرارةٌ من الغضب وألتفتت إلى ياسين، وهمت بالحديث إلا إنه كان يدري ما ستوكُله به فـ ردد في ثقه :
- أنا رايح أقابل المُدرسة، وهبعتلك عثمان وأنس و ورد.
تبسمت لمار في ثقة وهي تؤشر له بعينيها تطمئنة مهمًا كان فهو أبٌ، و وحيدته لا يعلم عنها شيء.
غادر ياسين صافقًا الباب خلفه واوقدت النيران في قلبه، بينما جلست لمار خلف مكتبها في ذهن طوحن في التفكير، ليخترق سكونها إشعار رسالة على هاتفها، لتلتقط الهاتف وتقرأ فحوى الرسالة الذى كان مضمونها :
" أزيك يا بنت الشرقاوي؟ يارب تكونِ بخير؟، متقلقيش العيال مش هيجرالهم حاجة امممم ممكن أروى بس عشان حابب أحرق قلب بنتك وجوزها، اممم لسه بفكر أأزيكِ في مين؟! ولكن أطمنك هيرجعولك كلهم بس متفكريش أن دي بداية الأنتقام تؤ تؤ تؤ دي متجيش حاجة قبل الجحيم اللي هعيشك فيه دا إذا كان ليكِ عمر طبعاً، ولو موتِ بردوا أنتقامي هيفضل، أوعدك أني هدمرك، وهدمر عيلتك كلها وهخليكم تكلوا في بعض واللي منك هيكون عدوك، رسالتي مجرد بداية للنهاية، متحاوليش تبحثِ عني لأنك مستحيل تعرفيني ولا تشوفيني،أنا قريب وتلميذك كمان وتعلمت منك إزاي أكون عفريت أنتقم وأقتص حقي من غير ما حد يشوفني،أنتِ علمتيني مقفش غير للحق بس للأسف علمتِ الشخص الغلط،لأني معرفش يعني ايه حق، واللي مقدرتش أعمله في الأول وفشلت فيه وعد لو آخر نفس فيا هعمله وهنتقم وأنتظري قريب هديتي ".
أعادة." لمار " قِراءة الرسالة مرارًا وتكرارًا، علا وجيب قلبها من الغضب، ودت لو كان أمامها مُرسل الرسالة لكانت أحرقته في أرضه،
هيهات أن ظن أن بأمكانه التوغل داخل أواصر عائلتها وتفكيكها، هيهات أن جعلته يعيش بالأساس.
وبقى سؤال محير يدور كـ الرحىّ في قرارتها؟
من ذا قد يكون؟ من يريد الأنتقام منها لتلك الدرجة؟
أن يكون عدوك أمامك حينها ستطمئن، ولكن أن تقاتل من لا تراه عيناك، ولا تدري متى تأتيك الطعنة في اي وقت وزمن ومِن مَن شيءٌ صعب يوهن الأعصاب.
هذه الرسالة الغامضة من وراءها، وما الجدوى منها، ماذا يريد؟
طرق طارق منتشلًا آياها من دوامة تفكيرها التي ظنت أنها لن تحور منه، أبعدت وجهها عن كفيها تستطلع الآتي الذي لم يكن إلا عثمان الذي ردد وهو يخطو نحوها في غضب :
- مبن اللي خطف العيال؟ وإزاي ده يحصل؟ أفتراض حصل لهم حاجة.....
بترت كلماته قرع لمار على المكتب وهي تهب واقفه صارخةً فيه :
- اسكت أياك اسمع صوتك ... دلوقتي بس عرفت أن ليك عيال؟!
كنت فين لما كانوا بيسألوا عنك؟! يدوروا عليك وأنت ولا هنا؟! كنـــــت فين من حياتهم؟
لُجم عثمان و وقف كـ الصنم جاثمًا في أرضه، رفرف بأهدابه قليلًا قبل أن يجلس واضعًا وجهه بين كفيه محاولًا كبح وجعه الذى أذداد عسرًا، فـ رق قلب لمار ودنت منه قائلة في ثقة :
- العيال هيرجعوا يا عثمان، فوق كدا لنفسك مش عايزة حد يشوفك بالضعف ده.
رفع عثمان رأسه إليها هاممًا بالحديث ألا أن طُرق الباب لتدخل منه ورد هادئة وهي تلقي السلام، ثم جلست تلتقط أنفاسها، فقلبت لمار بصرها في حيرة من أمرها وتسائلت بمكنون فؤادها :
- ورد؟! مالك هادية كدا ولا كأن عيالك أتخطفوا.
تمتمت ورد في ثقة :
- تقلقيش هقولك إزاي نوصلهم وبعدين أخاف إزاي خديجة مع العيال أصلاً.
رفعت لمار حاجبها في دهش، فـ إذا بـ عثمان يقول :
- المهم هنعرف نوصلهم إزاي؟
أومأت ورد لتصفح في هدوء وهي تسرد عليهما :
- من لما حصل وحاولوا يخطفوا خالد بسبب احدى القضايا اللي كنت ماسكها ونجي الحمد لله قررت أني هحط جهز تعقب في شنطهم.
تبسمت لمار في فخر وهي تربت على كتفها وبدأوا بتعقب المكان ليتأهبوا للذهاب على أتم أستعداد لأي مواجهة.

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن