جحر الشيطان
ما زال للعشق بقية
الفصل السابع والثلاثون.عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " [ رواه مسلم ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت صدمة ساحقة ماحقة لـ ماهر إن لمار لا تزل على قيد الحياة.
لقد حسبها أنتهت ..
وإنه إنتهى منها إلى الأبد ..
ونفذ ما كان يحلم به يومًا ..
لكن أن يراها أمامه هكذا!
تسمر جسده وشحب وجهه وجحظت عيناه، وهوى قلبه بين قدميه من فرط الرعب الذي ملؤه.
وقال بعد ما خارت قواه وسقط على ركبتيه بنبرة ملؤها الخوف والحسرة والإنكسار في آن :
_ أنتِ .. أنتِ.
أرتج عليه فبكى قبل أن يسترسل عبارته، كان يريد أن يسألها كيف ما زلتِ على قيد الحياة؟!
كيف نجوتِ!
ماذا ستفعلين بيّ الآن!
وقرأت لمار كل هذا في عينيه، وتحركت لتجلس على المقعد بعد ما أفسح لها خالد الطريق.
تنهدت لمار في عمق ومالت للأمام وهي ترشقه بنظراتها شزرًا، وقالت في هدوء بارد آثار الرهبة في قلب ماهر :
_ لا ريب إنك تتساءل، كيف إنني ما زلت على قيد الحياة؟
صمتت لحظة وهي تمعن النظر فيه وتسترجع لحظة أنفجار السيارة التي لم تكن لها ..
ولنعود معها نحنُ أيضًا، بالتحديد حينما كانت تقود السيارة، ويلحق بها القاتل الذي أرسله ماهر، ربما يظن المرء إنها كانت تفر منه هاربة، لكنها ابدً لم تكن كذلك، فما أن أصبحت سيارة القاتل إزاءها مباشرةً وألقى قنبلة يدوية داخل سيارتها بعد أن سحب فتيلها، إذ راقبت لمار كل هذا بعينين كالصقر وما إن رمى القنبلة، إذ تلقطتها في كفها وفي غمضت عين كانت تعيدها مكان ما جاءت، وضغطت دواسة الوقود، لتنطلق في سرعة، ودوى الأنفجار قاتل .. رهيب، قبل أن تنالها ألسنة اللهب، وتوقفت بعيدًا عن مكان الأنفجار تراقبه حتى انكعس في حدقتيها، وغمغمت في أسف :
_مكنتش أفضل يحصل كده، بس قاتل متسلسل زيك يستاهل.
ودار بصرها على السيارات التي توقفت عن السير عبر الطريق بسبب الأنفجار.
" وهكذا يا عزيزي نجوت بفضل الله عز وجل وعنايته "
أتممت لمار روي قصتها بتلك العبارة، فتيبس جسد ماهر تمامًا حتى صار أشبه بالصم الصلاب يكفيه إنها لا تعرف هويته الحقيقية!
وما كاد هذا الخاطر يخالج صدره، إذ استمع صوت لمار تقول في قسوة مخيفة :
_ هلا تفكرت قبل أن تفعل بيّ وبعائلتي كل هذا يا ..
لا يدرِ ماهر لماذا انتفض قلبه مرتجفًا، خائفًا وقد خُيل إليه إنها تعلم من يكون، ولم يدُم تساؤله هذا في أعماقه فقد قست نبرة لمار، وفاضت شراسة مع استرسالها :
_ ولا ماذا يا عزيزي مراد؟!
تدفقت الدموع من عيناي ماهر بغزارة وهو يحدق فيها ذاهلًا، مصدومًا ومرت لحظات طوال وهو يحدق في لمار وهي كذلك، لم يقطع تلك اللحظة إلا خالد وهو ينزع تنكره :
_ يا الله كدتُ أختنق.
والتفت إلى آجار متابعًا :
_ وجهك يخنق يا روحي.
_ لماذا ارتديته إن لم تكن تطيقه؟
قال خالد بهم مصتنع :
_كنتُ مضطرًا، لم يكن هناك حلًا آخر.
مط آجار فمه متهكمًا فضحك خالد، وقال وهو يضرب على كتفه :
_ إني امزح يا صاح لا تأخذ على خاطرك.
نبهتهما لمار في صرامة :
_ هلا توقفتهم عن هزلكما؟
أدى خالد التحية العسكرية وهو يضرب كعبيه في الأرض مغمغمًا بثبات :
_ عُلم.
انسكب دمع ماهر أكثر، وقال بشفاة مرتجفة و أحرُف متلعثمة :
_ كـ .. كـ .. كيف .. عر..
لم يستطع إكمال جملة من شدة رعبه، وتراجعت لمار في مقعدها، وعقدت ساعديها أمام صدرها، وراحت تحدجه في صمت، في حين غمغم حمزة في ازدراء :
_ ياللرجال حين تنهز رجولتهم!
قال له عاصم في برود :
_ ويحك يا حمزة! وهل تُطلق على هذا لقب رجل؟
تدخل خالد معهما في الحديث، قائلًا ببساطة :
_ صَه أنتما الاثنين، إنه أشبه بطفلٌ صغير تبول على نفسه ويختبئ خيفة من والدته كي لا تضربه.
أنطلقت الضحكات من افواههم جميعًا حتى لمار تبسمت.
فردد آجار من بين ضحكاته :
_ عجبًا! لماذا إذن يبدو ليّ كالجرو الساذج؟!
رد عليه إسلام متهكمًا :
_ على رِسلكم يا شباب، لن نختلف في هذا الآن الموضوع نحتاج إلى قرعة لنحسم الأمر.
غمغم خالد متبسمًا باتساع :
_ فليكن!
افتر ثغر لمار عن بسمة، وزجرتهم قائلة :
_ ما خطبكم يا فُتيان اليوم هل اكتفيتم؟ ألن تدعوني أنبس ببنت شفة أم ماذا! ألزموا الصمت دعوني أخبر عزيزي مراد كيف عرفت هويته الحقيرة.
اقشعر جسد مراد، وهو يراقب لمار تنهض بتؤدة، وتقول بنبرة هادئة يخامرها غضبٌ طفيف في كلماتها :
_ أتدري كيف عرفت يا عزيزي ...
صمتت مستلذة برعبه، و وأضافت بصوتٌ خفيض وهي تضغط على حروف كلماتها :
_ أنت من أخبرتنا بكلُ بساطة.
اتسعت عينا مراد، وتراجع للخلف في حدة عندما مالت لمار نحوه فجأة، مستطردة :
_ أخبرت حفيدي خالد وهو ينتحل شخصية نجيب، كان من الخطأ أن يسمع نجيب آراس يخبر أخته بما علمه بخصوص ماهر، كان خطأ فادح يا رجل كشف أمره ببساطة بالنسبةً ليّ.
مال خالد على اذن حمزة هامسًا :
_ مال جدتك يا حمزة تبدو مخيفة!
رمقه حمزة بمقت وهو ينظر له بطرف عينه، متمتمًا :
_ اصمت بدلًا من أن تثور عليك كهذا الرجل.
أطبق خالد شفتيه ونصب قامته باعتداد عندما حدجته لمار بنظرة صارمة، وكتم ضحكته وإن اعرب وجهه عنها فأنفلتت ضحكة بسيطة جعلت لمار تعتدل هاتفة :
_ اخرج يا خالد!
قال خالد ببساطة :
_ خالد لم يتكلم ليخرج.
وسألها في اهتمام :
_ ثم بالله عليكِ آترين من العدل أن تحرميني مما يدور هنا ولولاي لم يكن شيئًا لينجح.
قالها مزهوًا، فلم تعره لمار اهتمامًا، والتفتت إلى ماهر، الذي جلس القرفصاء، وهم الكون كله تجلى على وجهه، كأنه استسلم تمامًا لمصيره، قبضت لمار فجأة بكل قوتها على عنقه لتلصق رأسه في الحائط، ولم تبال به وهو يقاوم دون جدوى، بل قالت بغضب يقطر من كل حرف تلفظ به :
_ أتعلم يا عزيزي مراد أكثر شيء أندم عليه في حياتي ما هو؟
واحتد صوتها وإن أختلج لذكرى موت شقيقها يوسف مضحيًا بحياته لحياة أبنتها :
_ إني علمت حقير مثلك، وتدرب على يدي، فهذه اليد قتلت أغلى ما عندي.
اختنق مراد بشدة، وجحظت عيناه وهو يقاومها بكل بسالة، لكن قبضتها بدت له أشبه بكلابة تنشب في عنقه، وضغطت لمار بأصابعها وهي تتذكر لحظة موت يوسف، جنون ابنتها عائشة، ألمها، وحزنها، وتشتت عائلتها الصغيرة.
غمغم خالد متوترًا :
_ ستقتله، هل نتدخل؟
وهم بالاقتراب لولا أن منعه ذراع حمزة الذي امتد امامه، متمتًا :
_ قف مكانك، لا تقترب دعها تنفث عما بداخلها.
فوجئ مراد بكف لمار يتخلى عن عنقه، فمسك عنقه وهو يسعل بقوة، وقد ظن إنه آخر نفس له، ولم يتوقع أن تتركه ..
لكنها فعلت ..
اعتدلت لمار واقفة و دفنت كل حزنها بداخلها، وهي تسير في أرجاء المكان لتسترد انفاسها وهدوءها، ثم تابعت في هدوء كأنها لم تكد تقتله توًا :
_ آهٍ يا مراد لم أتوقع منك كل هذا، لقد تعبت حتى علمت بحقيقتك الحقيرة، عندما ابلغني خالد إن ثمة من عرف هويته وأرسل من يقتله لم يأتي على بالي إلا نجيب لقربه من اراس، ولإني اعلم إنه محال إن اراس يخبره فقد خمنت إنه تصنت عليه خفية دون علمه،
وبيَّد إن نجيب هذا معك يشاركك كل شيء، فلا ريب إنه يعلم عنك كل شيء، وكانت الخطوة الثانية من عائشة ابنتي فقد تصنعت إن سيارتها قد تعطلت بجانب الطريق بعد ما علمت وقت عودته من خديجة، واستوقفته و وقف نجيب ليمد يد العون، ألست غريبة؟.
تنهدت بحرارة قبل أن تتابع :
_ فالأوغاد امثالكم هل يساعدون!!
هذا ليس شأننا الآن، لقد تسللت إلى منزل نجيب وقلبته رأسًا على عقب بحثًا عن اي شيء يدلني على هويتك، ويا للعجب لا تتخيل ماذا وجدت!!
ضاقت عيناي مراد في تساؤل حائر ..
فهو على يقين إن نجيب لا يملك دليلًا واحدًا لهويته الحقيقة.
وبرغم كل ثقته بهذا كان يدرك إن لمار وجدت شيء حتمًا.
لم يطل تساؤله في أعماقه، فسرعان ما أجابته لمار فورًا كأنما تقرأ أفكاره :
_ وجدت على إحدى الوريقات " مراد سليم القاضي "
مراد الإبن الغير شرعي لـ سليم عم زين، مراد الذي لم أعلم حقيقته هو و والده إلا متأخرًا .. متأخرًا جدًا، وظننت إن كل منهم أخذ جزاته، فتعود أنت لتتابع انتقام لا أجد له سببًا.
صاح مراد وهو يهب واقفًا كالمعتوه :
_ لا يوجد ماذا؟ لا يوجد سبب! بحققك ألا يوجد؟ لقد عشت طيلة حياتي مع والدتي دون أن أرى والدي إلا نادرًا ليلقي ليّ ببعض المصاريف ويرحل، ويدخلني كلية الشرطة، علاوة على إن زين يتمتع بكل شيء بمفرده هو وابنتك وأخته وانا النكرة! لكن انتقامي منك كان لموت أبي الذي قتلتيه غرقًا، كان انتقام منكم جميعًا .. كلكم دون أسثناء.
وقهقه وهو يتقدم من آجار مشيرًا إليه بفرحة تغمره غمرًا :
_ لكني فلحت في الأنتقام منك، وأوجعتك أعلم إنك تتوجعي إن إبن ابنتك من المافيا.
وصاح وهو يلوح بكفيه في شماتة :
_ لمار الشرقاوي التي قضت عمرها تحارب الإجرام ها انا ذا فلحت في صنع حفيدك مجرمًا بحق.
صرخ آجار وهو ينقض عليه ليلكمة في فكه :
_ أيها الوغد.
سقط مراد على وجهه إثر لكمة آجار التي اودع فيها كل قوته، وهم أن يهجم عليه مجددًا، لولا إن منعه خالد بقوة.
وقف مراد مترنحًا وهو يمسح الدماء بكمه من طرف شفتيه، وتابعت لمار شاردة :
_ بالفعل فلحت وكان خبر قاسي على قلبي، نجحت في أوجاعي يا مراد، ولكن هذا ليس موضوعنا ابدًا، لقد أبهرتني خطتك في الهرب.
تبسم مراد في زهو، بينما هي تواصل :
_ كان الأمر عسير ذا نوائب لا مناص منها، فمن ناحية أنا على يقين إن تم شنقك حينما حكم عليك بالإعدام شنقًا، ومن ناحية فسليم قد لقى حتفه أمام عيني غرقًا.
سكتت لمار هنيهة، مضت خلالها نحو المقعد، وجلست باسترخاء، وتابعت في هدوء :
_ لذا لم يخطر على بالي إلا أمرٍ واحد، ألا وهو إن ثمة شخص يشتت أنتباهي، وهذا الشخص لا اعرفه قط، وهنا كانت متاهة ظننت إنني لن أحور منها.
وفجأة! ترقعت بسبابتها وإبهامها، وهي تستطرد :
_ هنا وجلست جلسة هدوء استغرقت فيها تفكيرًا عميق، تفكيرًا وضعت نفسي في محلك أنت و والدك وكان أيضًا من المحال أن يظل احدكم حيًا، وذادت حيرتي، و وثبت على عدت إتصالات ومقابلات ساعدتني أكثر على التذكر فقبيل شنقك أنت مرضت فجأة وتم نقلك للمشفى.
وصمتت لحظة، ثم أردفت تقول :
_ وبما إنك أنت و والدك ذا علاقات بالمافيا فقد وضعت خطة محكمة .. خطة تستحق الأعجاب.
صفقت بكفيها، وقال خالد فجأة :
_ لا تقولي هذا! فأنا من انتحل شخصية نجيب وذهبتُ لهذا الحقير وعلمتُ كمالت القصة، وطلع استنتاجك في صحيح مائة بالمائة، وهذا الغبي وقع في الفخ.
أومأت لمار برأسها تؤكد قوله قائلة :
_ بالفعل هذا هو ما حدث يا خالد لقد فعلت المافيا عملية تجميل لشخص قريبًا بدنيًا من مراد فأصبح نسخة منه وهكذا تم ابدالهم ومن تم أعدامه هو رجل المافيا وليس مراد قط، و لقد ساعدني معرفة هذا مستشفى جومالي ففي أثناذ بحثي وجدت ملفًا لعملية تجميل أجريت لشخص ليشبه مراد مباشرة.
عقدت لمار ساعديها وهي تتطلع في عيناي مراد، قائلة :
_ ما رأيك يا عزيزي مراد؟!
فوجئت لمار به يثب إلى السلاح الملقي ويرفعه في وجوههم، قائلًا :
_ لن تنجين، سأقتلك، أقسم بأني سأقتلك!
أسترخت لمار في مقدها اكثر، وهي تغمغم في بساطة :
_ حقًا؟! فليكن، ها أنا ذا اقتلني يا عزيزي.
وعلى الرغم من إن ماهر هو من يمسك السلاح، ويهدد، إلا أن قول لمار هذا جعل أصابعه ترتعش حتى كاد السلاح ينزلق من يديه، وبدا له الموت أقرب من حبل الوريد، وسحب إبرة سلاحه وقال بإرتجاف وسبابته على الزناد :
_ أستعدي الموت، أنا اعلم أنكِ لن تقتليني هذا ليس من شيمك، ستتجهين للقانون حتمًا.
هزت لمار كتفيها في استهتار، وقالت ببساطة متهكمة :
_ الضرورات تبيح المحظرات يا عزيزي مراد.
صوب مراد السلاح على رأسها، وقبض عليه بقبضتيه، ورغم إنه يرتعش من قمة رأسه حتى اخمض قدميه، بالفعل هم بإطلاق النار، وتفاجئ فجأة بقدم آجار تطيح بذراعه فطاشت الرصاصة، ودار آجار دورة مدهشة، ولكمه لكمة كالقنبلة حطمت انفه، وهو يردد :
_ ليس بعد يا عزيزي، فأنا أشتهي رؤيتك تتوجع.
تراجع مراد من عنف اللكمة وارتطم في الحائط وارتد عنه للأمام فأستقبله آجار بركلة كالقنبلة هشمت بقايا أنفه، وجذبه من تلابيبه ليقف وكالمجنون راح يلكمة في وجهه، لكن فجأة أمسكت لمار بذراعه، وقالت في صرامة :
_ كفىٰ.
أفلت آجار ذراعه، واستشاط غضبّا وتميز غيظًا، وصرخ في وجهها :
_ كفىٰ! اتجرؤين علىٰ إيقافي؟
دفعتهُ لمار من صدره، وهي تهتف قي حزم :
_ أنا بالفعل أفعل.
صاح آجار وهو يميل عليها بحركة حادة :
_سأقتله يا لمار يا شرقاوي، سأقتله و ..
لم يتم عبارته إذ فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، ولم يخطر علىٰ بال، ففي غمرة انشغالهُم بـ مراد تسلل نجيب إلىٰ الخارج، وها هو ذا يحضر مُنتفخ الأوداج، مُحاط برجالُه إحاطة السوار بالمعصم، كأنهم سيحولون بينه وبين الموت، و وقف في تباهي ورجاله يعدون داخل الحجرة ليكتفوا الشباب من الوراء على غرة، بينما اقترب احدهم ليسند مراد الذي أوشك على السقوط، فسند على ذراع الشاب، ورمق آجار بنظرة مقيتة وهو يتحرك، قائلًا بتشف :
_ لن اموت اليوم يا فتى، ستدفع ثمن هذا، سأعود لأقضى عليكَ.
جن جنون آجار وهو يقاوم الرجلان بشراسة ورأى مراد ونجيب يستقلان سيارة وينطلقان، فهاج أكثر وهو يصرخ :
_ لن أسمح لك، سأقتلك اليوم.
والتفت إلى لمار الهادئة يقول في ثورة :
_ ما بكِ هادئة وكأن الفريسة لا تزل بين يديكِ؟!
هزت لمار كتفيها في بطء، وهمست غير مبالية :
_ لقد انتهى امره بالفعل، فالشرطة أصدرت امرًا بالقبض عليه، إما نجيب فيأسفي لن ينجو من رجال الأب الروحي للمافيا الذي كان نجيب يخطط هو وبعض المنظمات باغتياله هو وكل نسله، إننا لن نلوث إيدينا في دماء حقراء مثلهم.
ذادت ابتسامة آجار غموضًا وهو يقول :
_ أما أنا يا جدتي العزيزة فأحب ان ألوث يدي بمن قتل والدي.
انهى عبارته وهو يرفع قدميه عاليًا وفي حركة بارعة مدهشة كان ينقلب جابرًا ذراعي الشاب على تركه، وتفادى لكمة من الآخر، وهو يميل جانبًا، ويعتدل مصددًا له لكمة كالصاروخ في معدته اعقبها بأخرى في أنفه، وأخرى في فكه فمال الشاب متألمًا فهوى آجار بحافة يده على مؤخرة عنقه فهوى الشاب متكومًا، وتلقى آجار لكمة الشاب الآخر على ساعده و وثب ليركله وهو يسحب منه المدفع ويهوى بكعبه على وجه الرجل ليفقد الوعى..
كانت لمار حينها تهتف في ذعر :
_ لا تفعل يا آجار بالله عليكَ، لا تضيع نفسك ..
ضاع كلامها هباءًا حين تحرر آجار في غمضة عين من الشابيين وأنطلق يعدو بالمدفع الآلي خلف السيارة.
فجذبت لمار رأس إحدى الرجال من وراءها لتسقطه وهي تصيح :
_ لن نسمح له.
وكان قولها بداية إعلان حرب شعواء، فدبت الحياة فجأة والحماسة في احفادها الذين كانوا مستسلمون، ودارت حربًا ضروس، ولإن الرجال لم يأمرهم أحد بقتلهم لم يطلق أحدهم رصاصة واحدة.
أنطلق آجار يعدو خلف السيارة، كأنه آلة ركض صُممت خصيصًا لهذا، وأمام عينيه كانت السيارة تتلاشى مبتعدة، فتوقف لحظة غارقًا في تفكير عميق وأنطلق مجددًا لينحرف إلى زُقاق ضيق.
التّفَتْ نجيب إلىٰ مُراد، لم يكونا قد لاحظ أيٍّ منهم آجار بسبب بعُد المسافة، وقال وهو مرتكز البصر علىٰ الطريق أمامهُ :
_ أأنتِ بخير يا رجل، كادوا يقتلونك.
أجابه مراد وهو يحاول كتم الدماء التي تسيل من وجهه :
_ بخير لا تقلق بشأني إلبتًا، إهتم بطريقك ..
وألتقىٰ حاجباه وهو يقول مستدركًا :
_ مهلًا إلىٰ أين سنذهب؟
رمقه نجيب بنظرة سريعة، وهو يردُ عليهِ قائلًا :
_ سنبتعد، الطائرة في انتظارنا وإلا فلنقُل رحمة الله علينا فمن الطبيعي إن تلك العائلة لن تدعُنا نحيا، فلا بُدّ أن نفر بأرواحنا.
وأشار بإبهامة على عنقهُ، بمعنىٰ الذبحِ وهو يغمغم :
_ وإلا ذبحونا كالنعاج.
فجأة! دوىّ ثقلٌ ما علىٰ سطح السيارة، أجفلهما وأرعبهما فهذا يعني إن أحدًا ما من شباب الشرقاوي قد بلغهم.
وارتجفت اوصالهم، وصرخ نجيب بإنفعال :
_ ماذا يحدث؟ يا إلهي .. يا لهُم من شياطين.
وكان آجار في الأعلىٰ يعتدل على سطح السيارة جالسًا بعد ما سقط من أعلىٰ البناية فوقه، وتحرك إلىٰ طرفها، صارخًا :
_ لن أتركما أحياء لآخر نقطة دماء في جسدي، سأريق دمائكم مهما كلفني هذا ..
اتسعت عينا نجيب وهو يستمع إلىٰ كلمات آجار، واقشعر جلده من نبرة آجار المخيفة التي تتفعم بالغضب الأعمىٰ، وضغط على دواسة الوقود أكثر، وسار في مسار متعرج ليوقع آجار، لكنَّ آجار كان يتشبث بحافة السيارة بكل ما يملك من قوة وهو مستلقى على بطنه.
أستل مراد سلاح نجيب من غمده، و وجه فوهته على سطح السيارة وهو يقول :
_ أنت مستغني عن روحك يا آجار يا ولدي؟! فليكن .. لك هذا ..
وأطلق رصاصته بغزارة في البقعة التي يتشبث بها آجار، وكانت الإصابة حتمية لا مناص منها، فإمَّا أن يهوى في الفراغ أو يبقى فتصيبه الرصاصات.
أنت تقرأ
رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتمله
Acciónترعرعت بين يديهِ ، كان هو كُل دُنيتها ، سراجُ حياتِها المنير ، هي العمياء التي لم تدر مِن الحياة إلا هو ، ليأتي القدر وينتشلها منه فـ تغداَ حياته ظلامًا بدونها ، عشق نشب منذ الصغر فرقه القدر ، فهل يجدها ؟ يجد تلك العمياء سالبت روعه ؟