جحر الشيطان ج3 ح34

1K 63 34
                                    

جحر الشيطان
الفصل الرابع والثلاثون

عاد الشباب إلى المنزل الذي كان خاليًا، فصعد مالك لغرف الفتيات التي أوحت إنها فارغة ولا أثر لاي أحد فيها، فهبط السُلم وهو يقول بنبرة قلقة، مفعمة بالتوتر  :
_ البنات مفيش فوق.
سرت موجة قلق عارمة  وسط الشباب وهم يقفوا جميعًا وساد بينهما الصمت، بتره حمزة باستفهام  :
_ مش فاهم إزاي مفيش فوق؟ لازم يكونوا هنا دلوقتي!
تبادلوا جميعهم نظرة قلقة، واقترح عاصم  :
_ رن على أراس كده شوفه يمكن عند خديجة، تلفوناتهم كلهم مقفوله.
تنهد مالك وهو يتصل بـ أراس الذي أجاب من اول رنة، قائلًا  :
_ كيف حالك يا مالك؟ هل خديجة ما زالت لديكم أن هاتفها مغلق، أنا في طريقي إليكم.
بُهت مالك، إذن فالفتيات ليس في المنزل!
ولا موجودين عند خديجة …
هذا أمر يثير القلق …
يخيف القلب …
كرر أراس نداءه حين لم يتلق ردًا من مالك  : 
_ مالك، أنت معي يا رجل؟
جاءه رد مالك يقول في عجل  :
_ نعم، تعال، تعال بسرعة يا هذا ثمة أمر جلل.
وأغلق الأتصال وقد شحب وجهه، وعلى الجانب الأخر نظر اراس في الهاتف طويلًا، ممتقع الوجه، مضطرب القلب، مرتجف الروح.
إذن تلك قبضة  حق لها أن تعصر قلبه وجلًا …
ضغط دواسة الوقود وأنطلق بأقصى سرعة، والخوف يستبد به، وراحت النار تستعر في أعماقه أكثر وأكثر، حتى كادت تلتهمه بلا رحمة …
بلى شفقة…
بلى هوادة …

                ☘️سبحان الله ☘️

مر الليل عسيرٌ شاق، حالك الظلمة، مُغلق الأبواب، طويلٌ كإنه لا يريد أن يولي مغادرًا وبدت الشمس إنها لم تخرج في موعدها، وكانت النفوس ثقيلة، والقلوب هائمة، والأرواح سارحة.
يا لها من ليلة ليس لها مثيل.
يا لها من ليلة لم يغمض فيها جفنٌ …
ولم تنعم الأجساد براحة …
وكانت عيون النجوم تطل مشفقة عليهم وهم يبحثون على البنات في خوفٌ كاد يلتهمهم إلتهامًا.
حتى ضاقت بهم الدنيا وعادوا إلى المنزل مكدودين، مكلومين، حائرون، مفكرون، يكاد القلق أن يصيبهم بالشلل.
جن جنون خالد حين علم وحضر فورًا إليهم هائجًا وهم بأفتعال شجار مع أراس منعه الشباب.
فجأة، وفي غمرة حيرتهم، وتفكيرهم إذ تراءى لهم نجيب يقبل راكضًا، فنهض أراس في لهفة وحث الخطى نحوه، وبادر قائلًا  :
_ نجيب، أين كنت يا رجل؟! أين خديجة والبنات! أين كنتم.
تطلع برأسه خلف نجيب وطل الشغف في عينيه سرعان ما خبى عندما لم يجد أحد، طأطأ نجيب رأسه في خزى، حين أطلت الحسرة والوجع في عيني أراس الذي تمتم بنبرة منهارة  :
_ أين خديجة يا نجيب؟ أين زوجتي يا رجل! لقد أمنتك عليها؟!
أحاط الشباب كلهم نجيب، وصاح خالد وهو يلكزه  :
_ تحدث يا رجل ما الذي حدث؟
قص عليهم نجيب ما حدث، وتمم قوله وهو يخرج من جيبه فلاشة ناولها لـ آراس، قائلًا  :
_ عندما أفقت لنفسي وجدت هذه في جيبي وجئت مسرعًا إليك بعد ما حادثتك في الهاتف آخذًا عنوان تواجدك.
لم يسمع اراس حرفًا مما تفوه به، بل كان ينظر طويلًا إلى الفلاشة، والقلق يجوس في نفسه، والحزن يمور في قلبه، والوجع ينبأه إن فرحته لن تكتمل وأن خديجة ستُأخذ منه.
يا الله … هل حينما بدأ يحيا؟
حين أحلوت في عينه الحياة؟
عندما وجد سببًا ليعيش؟
بعض الناس هُم حياة في قلوبنا.
حياة تجعل القلب بستانًا يترع القلب بالآزهار والورد، أصواتهم تكون تغريدة العصافير، أشخاص نودُ أن نسبغ عليهم بوارف حبنا كلا يرحلون.
أشخاصٌ لمّا نجدهم نطمئن، ومن بعدهم لا نريد احد.
أشخاص يكفونا العالمين جميعهم ويصبحوا وطن يحتوينا بكل دفءٍ وحنان.
" ملك "
صيحة  ندت عن الشباب وهم يجلسون خلف الكمبيوتر محملقون في شاشته التي ظهرت فيها ملك، بالطبع لم تتراءى لهم ملامحها بسبب الظلام الذي تغرق فيه الغرفة، لكن بكاءها الملتاع جعل قلوبهم جميعًا تتوقف.
ليس ملك يا إلهي، ليس ملك!
ملك لديها رهاب من الظلام، تخشى الجلوس فيه، تجن إذ بقت في العتمه بمفردها، ستنكس مجددًا وعلاجها لن يأتي بفائده.
آهٍ يا ملك كم أنتِ تعيسه لا تفتئ الحياة تحطم كل ما تبنيه.
تهاوى مالك وهو يسد اذنيه عن صراخ أخته الذي أصابه بالصم، وأصاب فؤاده بمقتل، وطعنت نفسه بالعجز.
كيف بالله تُخطف في وجوده؟
كيف يجلس الآن عاجزًا وهي تكاد تموت خوفًا أن لم تمت من الصراخ الذي مزق حنجرتها العاجزة وهشم سويداءه.
ترقرق الدمع في عينين معاذ الذي أمتدت كفه تلامس الشاشة كأنما أراد أن يطمئنها، وصدى بكاءها كان يشق قلبه شقًا، وانبعث صوتًا في نفسه يقول  :
_ أنا قريبٌ منكِ يا ملك.
بينما اعتصر خالد قبضته كابحًا غضب هائل لو كان تركه لهد الدنيا بما فيها بحثًا عن ملك التي آنفًا بدأت في علاجها وها هي تنتكس مجددًا.
وجز حمزة أسنانه في ثورة من العصبية، وخبط عاصم بقبضته المنضدة، بينما بدا إسلام هادئًا وأن اوحت عيناه المدمعتين ما يموج في نفسه من حزن.
لم تلبث الصورة المظلمة أن توارت وتلاشى الصوت كأن لم يكن، وإذ بـ أروى تتبين على الشاشة فاقدة الوعي، مقيدتين القدمين والمعصميين على أرض باردة مليئة بالماء، فهتف حمزة جزعًا  :
_ أروى.
وأختفت أروى و كانت دارين بمثل حالها، و أختفت لتسفر الشاشة عن خديجة وهي تزوم بفمٍ ملتصق، وجالسة على مقعد وقد عُقدت كفيها خلف ظهرها وثمة سلاح ملتصق بصدغها دون أن يتبين وجه حامله إلا قبضته.
فتفجر الغضب في أعماق أراس، وخفق قلبه في جنون، وتسارعت أنفاسه حتى راح يلهث وكور قبضته وقد بدتا مقلتيه مخيفتين حمراوتين بحمرة داكنة وشعتا نارًا.
تنبه لهياج أخته هنا التي كانت تركل باب حديدي صارخة بجنون.
فذاد غضبه ..
ذاد لدرجة أن رآه الرائي لظن إنه سيتحول إلى كتلة من نار لا تبقى ولا تذر.
وكانت لمياء جالسة في غرفة بمفردها وقد دفنت وجهها بين ركبتيها المثنيتين إلى صدرها.
هُنا وأنفتحت أبواب الجحيم …
ولن تغلق أبدًا …
إلا ببحرٌ من دم …
فقد هب آراس واقفًا، فلحق به نجيب، لكنه توقف على إشارة من آراس صارمة وهو يواصل طريقه.
ولم يلبث خالد أن غادر وشياطين الغضب تكسى ملامحه.
لن يهدأ لهم بال حتى يعودوا البنات في أمان.
ولو سيقلبوا الدنيا رأسًا على عقب.
ألم تنقلب؟!
أنها أنقلبت وحدثت ما حدث.
وحسم الأمر.

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن