الفصل ( 22)
لقد عادت إلى أرض الوطن، واستنشقت عبيره فنعش صدرها، تقسم أنها لن تبرح وطنها مرة أخرى.
يا الله … كم أن العودة إلى الوطن عظية.
تُلقي بالقلب الراحة مهما كان القلب مهمومًا، معبئًا بالأحزان.
راودها شعور بالصراخ أن تثبت انها وطأت مطار الوطن لكن ليس بمفردها معها صغير تعلق بها، وتعلقت به هل ستكون قدر المسؤلية!
صوت آجار المنادي جذبها من أوج تفكيرها لتدحره جانبًا وتلتفت له في تساؤل فـ قال لها في لهفة تجلت في صوته :
- ها نحن ذا قد عُدنا، هُنا سنفترق نحنُ أيضًا، لكن لكِ وعدي سنلتقي حتمًا مجددًا وقريبًا.
فـ أردفت ودموع الحزن تترقرق في عينيها :
- سنلتقي؟! هذا وعد؟ لم اعد قادرة على فراق احد.
سكت آجار ردحًا من الزمن بأعيُن تتأملها في وعدٍ صادق مبهم، وقال بنبرة تقطر حنانًا :
- أعدك إننا سنلتقي مجددًا يا صغيرتِ، فقط إلى أن يحين هذا الوقت تذكريني، لا سيما أيامنا بياليها التي مرت ونحنُ مع بعضنا البعض … ولكن هل ليّ من طلب؟
- حقًا تسئل يا آجار، أطلب ما تُريد.
- لا تكرهيني ابدًا مما قد يبدر مني، تذكري فقط اني آجار الذي قد يفعل لأجلك كل شيء، ناهيكِ عن كل شيء أنا أفعل المستحيل ليكون ممكننًا لأجل عينيكِ، تذكرِ آجار التي روحه فداءً لكِ ولا تتذكرِ غير هذا، حسنًا!
كلماته الغامضة آثارت ريبتها لا ريب ولا أراديًا تسلل الخوف في فؤادها ولا تدري ما سبب ذلك محال أن تعلم هذا الشعور ولكن حرى بها أن تستفسر؛ لذا قالت وهي تستدير إليه كُليًا :
-ما هذا الكلام المبهم الذي تتفوه به!؟ هل ثمة شيء تخبيه عني، أنتَ بخير… أليس كذلك؟
هم أن يطمئنها لكن حضور عثمان الذي كان ينهي اوراق الخروج من المطار حال دون ذلك، رمقه عثمان بنظرة جافة وهو يأخذ منه جعفر دون أن ينبس، فـ زاغت عينايّ آجار لوهلة، وصدح صوت عائشة مناديًا في تلهف وحنين بإسم ابنتها فـ اطبقت دارين شفتيها وقد كانت على وشك الكلام مع عثمان بخصوص آجار فنست كل شيء وهي تركض كالعاصفة إلى حضن والدتها التي ضمتها وتدفق دمعها وراحت تقول بصوت متقطع أثر البكاء :
- دارين، بنتي أنتِ بخير يا ضي عيني، بخير صح أنا ... انا مش بحلم مش كدا؟ أنتِ قدامي اهووو، صح صح.
- انا هنا يا ماما، وحشتيني اوووي يا حبيبتي.
قالتها دارين والدموع تسيلُ من عينيها قبل أن تقول بلهفة :
- آجار! ماما لازم اعرفك على آجار..
تلفتت حولها فلم تجد إلا عثمان الذي دنا منهما، وهنا علمت إنه ذهب.
وها هي تفقد احدٍ أخر! إلى متى ستظل تفقد هكذا؟
اطرقت رأسها في حزن واقبل هيثم من بعيد محاوطًا إياها بين ذراعيه يطمئن عليها اطمئنان الخائف على ابنته بكل صدق.
لم يدور بينما حديث او تساؤل عن الصغير بل ذهبوا إلى البيت من فورهم.
غافلين عن أعيُن تراقبهم بوداع خافت، و وعد بالعودة آتٍ عن قريب.- مين الطفل ده يا دارين؟ إبن مين؟
سئلت عائشة وهم في السيارة، ما زالت تضم ابنتها خشيت فقدانها مجددًا كأنها قد تتبخر من جوارها، تخاف ان تغمض عين فتختفى أو تغدا حلمًا جميلًا حلمت به و ولى، لا غرو فمن ذاق ألم فراق الإبن يضحى يهاب كل شيء وخاصةً أن كان لها ولدًا وحيدًا.
تلجلجت الكلمات في صدرها لا تدرِ بماذا تُجيب، يمور القلق بداخلها ومما ذاد الطين بله قول عثمان :
- صح إبن مين ده؟ ومين الواد اللي كان معاكِ؟ وبعدين إزاي ظهرتوا فجأة كدا في المكان وانا متأكد ان مكنش في حد وكمان كان مغمي عليكم إلا الطفل الصغير، إيه اللي حصل معاكِ.
دارت عينيها بين الجميع في تيه وتبسمت في شحوب وهي تقول :
- أنا تعبانة دلوقتي وعايزة استريح وبعدين هبقى احكي لكم كل حاجة.
أسبلت جفنيها تسند رأسها على كتف والدتها تهرب من الجميع، والحيرة استبدت بها، ما هذه النكبة كيف تخرج منها، ومن اي ثغرة تسلك؟
أن اخبرتهم بما حدث لظنوا إنها مجنونة لا ريب فما حدث ضربٌ من الخيال لا يستوعبة عقل ولا يسعه قلب ؟
عَمَّ تتحدث وكيف تتحدث وكيف تجد الحل لهذا المأزق.
استشعرت ان الطريق قد طال أما إن تفكيرها كان ثقيلًا؟!
أنت تقرأ
رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتمله
Açãoترعرعت بين يديهِ ، كان هو كُل دُنيتها ، سراجُ حياتِها المنير ، هي العمياء التي لم تدر مِن الحياة إلا هو ، ليأتي القدر وينتشلها منه فـ تغداَ حياته ظلامًا بدونها ، عشق نشب منذ الصغر فرقه القدر ، فهل يجدها ؟ يجد تلك العمياء سالبت روعه ؟