جحر الشيطان
ما زال للعشق بقية
الفصل الثاني عشر.« خديجة»
الحياة لا تعطينا كل ما نحتاج، ربما حفنة من السعادة والكثير من الأحزان لن يرضا ألا من كان على يقين بالله أن بعد كل هذا البلاء عوضٌ جميل سينسينا مرارته، البلاء يأتينا فجأة نعم، ربما في فقدان عزيز .. أو خسارة حبيب .. او خذلان من قريب .. ربما في المال او الأولاد .. وربما مرض يطرحنا على الفراش لسنون كثيرة ، هنيئًا لمن علم أن الموت أتٍ.. آتٍ لا محالة وذاك أختبار نجاح وخسارة .. إذ نجحت فحبذا لك الجنة و طوبي لك .. اما إذ خسرة فياحسرة عليك وأسفي .. تنقلب حياتنا فجأة .. كما انقلبت حياتي بغتة ، لا بأس لقد ران في قلبي فقدان الشغف .. الأمل والأهم هدفي .. هدفي الذي لطالما سعيت لأجله كثيراً ها هو شخصًا واحدٌ غريبٌ يكدر حياتي ويسلبني أمني وأماني وهدوء حياتي .. انتابني الهرب طبعًا لكن كيف للمرء أن يهرب من أقداره...
كنت ما زلت أنتفض ربما قلبي يرتجف وروحي باتت زبيحة أحسُ أني احيا في كابوس، الرعب يحيطني من كل جانب، ما زال منظر ما رأيت يفجعتي، حين اطلقت صرخة فزع وانا اتقهقر للخلف وقد تجمد دمي في شراييني، ما هذا يا الله ؟ منظر لم أتصور يومًا ان اراه حتى في أحلامي ، رجال تتناثر فوق بعضها يغرقهم الدماء بشكل بشع .. وددت لو اختفي حملقت بهم وقد انخلع قلبي وتيبست قداماي وشلت اطرافي، صرختي جعلته ينتبه فجأ ركضًا واقفًا أمامي يحيل بيني وبين ذاك المنظر لم يتوقع أن منظرهم قبع في مقلتي وأبت اهدابي ان تبثقه، أغمض عيناه في عنف كأنه يعاتب نفسه على تركي لثوانٍ معدودة وحيدة، فتح جفناه في بطأ وهو يهمس في قلق لم ادري كنهه :
- خديجة أهدائي .. أهدائي فقط تنفسي بأنتظام ليس هناك شيء مخيف هذا لا شيء فقط اهدئي.. تنفسي هيا تنفسي..
بدأت اتنفس في هدوء كما قال أبذل قصاري جهدي حتى اطرد ذاك المنظر من خيالي لكنه ترك اثرًا بي .. أثرًا مرعب مخيف من كان يتخيل ان يحدث كل هذا ؟ تلك كلها امورٌ مستترة في ضمير الغيب لا يعلمها إلا الله..
خرجت معه من هذا الجانب وقد ذادت شهاقتي دون دموع ، بقت الدموع عالقة في اهدابي وابى كبرياءي أن يحررها ويرَ ضعفي ..
جلست محملقة في الفراغ لم استمع لكمة مما يرردها حتى ناولني كوبًا من الماء تجرعته برعشة ...
بعد ما هدأت نفسي قليلًا أودعني عند أخته ورحل فجأة خيم علينا السكون مليًا دون ان يقطعه أحد .. وأخيرًا تكلمت كـ المترددة :
- خديجة .. هل أنتِ بخير ؟
هززت رأسي دون ان انبس، فوضعت كفها على منكبي واقتربت جالسة مني تكاد تلتصق بي وهمست بلطف وهي تمسد على ظهري بحنو :
- أتمنى ذلك ما رأيتيه ليس هينًا .. لكن اعتبري نفسك رايتي مرضى حدث لهم حدث وتوفاهم الله!
بالطبع الأمر ليس هينًا ومن يظنه هين ؟ انا الآن في جحر مجموهة من المافيا اسروني قسرًا لانقذ لهم أخيهم ولا ادري ماذا سيكون مصيري معهم .. هل سِتركوني؟ لا أظن ذلك البتًا؟
أفقت من شرودي حين قالت تطمئني كأني صفحةٌ مقرؤه امامها :
- سترحلين من هنا اعدك ستتابعي حياتك ايضًا وستنسى كل ما مررتي به.
قُلت فجأة خاطر يخيفني :
- وماذا لو مات آجار هذا هل سأرح.......
لم أتمم عبارتي حيثُ انتابها سُعال فجاة افزعني وما ان هدأ حتى بدأت تلتقط انفاسها بصعوبة وهي تلهث بشدة، فهلعت وأنا انتصب واقفة لوهلة لم اعرف ما عليّ فعله كاني نسيت اني طبيبة، سرعان ما بدأت أعاونها على تكوير قبضة يدها وتقريبها من فمها، وسئلتها سريعًا عن بخاختها فهي تبدو مريضة ربو .. اشارة لي على حقيبة يد فأفرغت ما فيها وبت اقلب محتوياتها حتى وجدتها واعطيتها لها، دقائق وبدأت تعود لطبيعتها لكنها كانت ساهمة .. وخُيل لي أنها دامعة العينين، فجلست بجوارها وكـ طبيعة قلبي بدأت أمسح على خصلاتها بحنو حتى وان كانت شخص غريب يستحوذني شعور أنها لطيفة السريرة .. بغتها بسؤال حيرني :
- أنتِ تخافين أن تفقدي آجار.
عُلق سؤالي بالهواء واعتقدت انها لن تجيب لكنها قالت بعد برهة :
- بل .. أخشى أن أخسر احدهم إذ كان آجار أو اراس او أبى او أخي آركان الذي غادرنا!.
سئلت في دهشة :
- هل لديكم اخ آخر .. هل مات ؟
قالت في بسمة بها مرارة وهي تهز رأسها:
- لا لم يمت لكنه بعيد للغاية وقريب ايضًا اقرب قريب ربما.. لكنه تركنا يعيش بمفرده لا نعلم عنه شيء.
سئلت في بهت وقد أشفقت كم الحزن الذي يقبع في قلبها واحسست انها تود البوح ربما لم تجد من ينصت لها فوجدت الفرصة وانا أفضل مستمعة:
- لماذا يعيش بمفرده ، لِمَ ليس معكم يا هنا؟
نظرت في عيني وهي تبوح :
- أخي يعمل في الأستخبارت اي انه كان لأنه انفصل من عمله .. لم يرد العيش مع..
تبسمت هازئة واضافت :
- مع إناس يسفكون الدماء يعملون في السلاح!
ضيقت عينيها لوهلة وتابعت وكأن هم الحياة باتت تحملها على منكبيها :
- أخي آركان اقوانا وأطيب منا جميعًا دائماً ما كنت احسه ابي وليس اخي.. اتعلمين ؟
كادت ان تجهش في البكاء لكنها تماسكت وتابعت وهي تشير لي بالبخاخة التي ما زالت تقبع في قبضتها :
- هذه اول مرة تنتابني الحالة واجد احد بجواري قلق متلهف لنجاتي!
- أليس لديك أحد اخت أو أم مثلًا ؟
- بلا، معي أمٌ وليس لدي أخت .. لكن في احيانًا كثيرة أود ان تكن عائلتي جميعها بجواري لا لشي الا انهم خائفون عليّ أود أن اتذوق طعم العائلة حين تكون بالقرب بقلبُ نقي ، حين كنت اذهب للمشفى ليس معي احد بالطبع أخوتي وابي في اعمالهم وأمي في البيت كنت أشعر بالخنقة واحسد المريض الذي تجتمع حوله كل عائلته..
رق قلبي لحالها وتخيلت لوهلة حياتي دون عائلتي يا الله انا لا شيء دونها انا صفر ليس له وجود فحمدت الله كثيرًا ولهج قلبي بشكره.
فجأة استمعنا لطلق نار ففزعت ودب الهلع روعي، بينما هي تبسمت بمرح وانحنت فجأة لتنهض بمسدسين، ودون ان تلتفت إلي قالت :
- ادخلي عند آجار يا خديجة ولا تخرجي!
كدت ان ارفض تركها بمفردها، لكن ضرب النار أنهال علينا فجأة فدفعتني تجاه الغرفة حتى اغلقتها عليّ وقفزت سريعًا خلف أحدى النوافذ وبدأت تطلق عليهم بمهاردة ادهشتني كنت ارقبها من خلف الزجاج فـ الداخل .. أنين خافت جذب أنتباهي فـ التفت فوجدته آجار بدأ يفيق هرولت نحوه ورحت افحصه بينما تساءل هو قاطبًا حاجبيه :
- من أنتِ ؟
- الطبيبة خديجة.
قُلتها وانا ما زلت افحصه فسكن لثوانِ قبل ان يقول فزغًا ما أن تنبه لطلق النار بالخارج :
- ماذا يحدث؟
أجبته :
- لا ادري هجم رجال على المكان وهنا بالخارج!
ضيق عيناه وهو يسئل في قلق:
- بمفردها ؟
هززت رأسي فكاد ينهض متلهفًا قلقًا لكنه سقط مكانه من اثر الدوار وسنادته سريعًا وانا اقول على عجل :
- ابقى مكانك اين تذهب ما زال جرحك لم يلتئم!
حاول النهوض مجددًا وقال :
- لا يجب ان اخرج لن اتركها بمفردها.
ثبته من كتفيه هادرةً فيه :
- لا تتحرك يا بُني ما بك انا طبيبتك وهذا امر سمعت؟
قُلتها في عصبيه، وعجبي حين اغلق عيناه كانه مستمعتًا بتعنيفي وامتثل لكلامي، فُتح الباب وقالت هنا من خلفي :
- خديجة .. أنتما بخير!
اومات برأسي وخرجت وراءها بعدما امرت آجار الا ينهض من مكانه فبطاعة ادهشتني هز رأسه في خفوت وهو مغلق العينين في أرهاق.
بالخارج ثمة رجال ينقلون الجثث، لماذا أشعر اني أعتدت الأمر، وكان أراس يقف مواجهًا لرجلٌ آخر يبدوا كبيرًا في العمر ربما قرب عمر ياسين وعثمان!
حاولت ان استشف ما يقولون لكن لم استطع، نادتني هنا فجلست بجوارها فبت قريبة منهما و صلني صوتهم!
« لا تخبرني انك حقًا تخاف ان يصيبه اذى؟»
قالها اراس بأعيُن تطلق شرار، فرد عليه الآخر في نبرة هادئة :
-هل تسئل اب إذ كان قلقًا على ابنه ام لأ؟
قال اراس في تهكم :
- أبيه ؟! اين هذا الأب لا ارَ؟
كاد الآخر ان يتجاوزه ليمر، وقال :
- اراس اتركني اريد ان أطمئن على ابني!
دفعه أراس للخلف غير عابئ بكبر سنه وغمغم في حدة :
- لن تراه يا هذا .. ارحل يا ماهر من هنا وكن بعيدًا عنه والا اقسم لك بأني سأجعلك تتمنى الموت ولن تجده!
اطبق ماهر اهدابه محاولًا مسك أعصابه وقال :
- اراس سأراه وارحل! ولن اأتي مجددًا؟
لم ينتظر الرد وانما اندفع للداخل لكنه تصنم حين سئله اراس في غموض :
- هل يعرف آجار انك لست أبيه ؟
أستدار ماهر في تؤدة وقال بتروى :
- يعلم .. يعلم يا اراس كل شيء.
همس أراس بجوار أذنه بلهجة كالفحيح :
- إذن لا تقترب منه يا هذا.
جز ماهر على أسنانه وقال :
- آجار يتيم يا أراس أنا جئت به من الملجأ.
أشار له أراس بـ أذراء ليطمئن على آجار.
_ لم امكث طويلًا معهم وعودة مجددًا لحياتي، وكأن شيئًا لم يكن ، لكن بداخلي ظل أثر كل شيء قابعٌ في حناياي، لم يظهر اي منهم امامي مجددًا لكن دائمًا كنت أشعر بشبح يلاحقني أينما ذهبت، من السكن للمشفى والعكس ، حتى أنتهت فترة تدريبي وعدت إلى أهلي و وطني التي لا أحس ألا بالأمان فيها، لم اروى لأحد شيء مما حدث، وبات كل ما حدث في نفسي كأنه خيالي لم يعد له أثر، حتى ذاك اليوم الكئيب الحزين الذي تحطمت فيه كل أحلامي وتكسر فيه قلبي وتفطر، وتصدعت روحي ...
أعجب بيّ شاب طبيب كان في ذات القسم الذي أعمل به، حاول أكثر من مرة محادثتي لكني كنت أصده وأتجاهله ، وسرى في نفسي شيءٌ لطيف لم أعشه قبلًا، هذه اول مرة يهتم بيّ شاب، يعلم الله اني كنت اغض البصر دائمًا واحافظ على قلبي .. جاء لخطبتي و وافقت وكان متعجلًا لزفاف بحجة أنه حصل على وظيفة بمرتب مجزي باحدى البلدن، كان فقط شهرًا .. شهر لم نتحادث ولم نتقابل وان جاء لبيتنا كان معنا اخي خالد او أبي وكان نقابي يسترني دائمًا، وكانت كلماتنا مقتضبة مختصرة .. وأقترب يومُ الزفاف كان ثمة وخزة في قلبي غريبة لم تنتابني قبلًا كأنها تحذرني من حدث مجهول سيحدث، ولكني فسرتها بأنه قلق فقط..
كان الجميع يجهز للعرس الكل على قدم وساق كان الشباب يهتمون بالزينة واجواء الحفل برمته، وكانت فرحتي في اوجها وخاصةً حين عاهدني أننا سنحج قريبًا .. كان شاب مهذب وخلوق جميل الطلة مرح النفس لكن ... منظر المرأ أحيانًا يكون مرآه تعكس ما بداخله ... فخلف المظاهر الحسنة تقبع النفوس الخبيثة، وليس كل جميل جميل السريرة ربما مجرد مظهر فقط...
كان يقترب الوقت وتذداد دقات قلبي وتوتري .. فستان الزفاف الأبيض كنت أطل منه كـ البدر في ليلته بينما نقابي ذادني جمالًا وكأني كوكب دري طل في ليلة من ليالي الدادي .. بكاء والدتي والفتيات الممزج بالفرح حطم قلبي ولم اتخيل اني ساغادر واتركهم .. كان كتب الكتاب والزفاف في يوم واحد، انقطعت الانوار فجأة بعد انتهاءي من الزينة وصرت جاهزة فخرجوا جميعًا ليروا ما حدث، ورحل الفتيات منهم من ذهب للمساعدة ومنهم ومنهم من تركني ليعلم متى سيكتبوا الكتاب، ظللت اذكر الله وانا في افرك في اصابعي حتى شهقت فجأة صارخة وانا اتوثب حين لاح ليّ شبح رجل يلج من الباب كدت أرتعش ولا ارَ أي بصيص نور بينما الشبح يتقدم حتى أصبح قريبًا مني... يا إلهي إنه هو ( أراس) ما الذي أتى به .. ظلام .. ظلام حالك أبتعلني بغتة وكان آخر ما رأيته وجهه، وآخر ما التقطته اذنايّ كان صوته الغاضب :
- لن تكوني لغيري يا خديجة......
أنت تقرأ
رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتمله
Azioneترعرعت بين يديهِ ، كان هو كُل دُنيتها ، سراجُ حياتِها المنير ، هي العمياء التي لم تدر مِن الحياة إلا هو ، ليأتي القدر وينتشلها منه فـ تغداَ حياته ظلامًا بدونها ، عشق نشب منذ الصغر فرقه القدر ، فهل يجدها ؟ يجد تلك العمياء سالبت روعه ؟