الفصل التاسع
جحر الشيطان
ما زال للعشق بقيةالمحب لا يعرف الفراق أبدًا......
فلاش الكاميرا لا يكفُ عن إلتقاط الصور لجسد ( حسن) المجسى ارضًا، قوات الشرطة تُحيط بالمكان، تفحصه بدقة ، نظرات الدهشة مصوبة نحو ( عائشة ) التي تنزوي بأحد ألأركان تحاوط ذراعيها في قداميها مسندة ذقنها إلى ركبتيها تنظر بأعيُن غائرة وجلة بوجوه الجميع، أنتفضت بغتة واقفة ما ان لمحت والدتها تدخل بِـ لهفة لتغدو سريعًا ترتمي بين ذراعيها تستتر من العالم فيها، حاوططها ( لمار) بكلا كفيها تبثها بالأمان، ابتعدت على صوت والدها، يتساءل في لهفة ونبرة قلقة :
- عائشة .. أنتِ كويسة يا حبيبتي؟
شهقت ( عائشة ) باكية تُلقي بذاتها بين ذراعيه، تشد بقبضتيها على ملابسه كأنه الأمان الذى لا تود البعد عنه، أمان لطالما طمئنها ولفها بسكينة تتطامن إلى قلبها، أمان لا يوجد مثله نظير، فـ امان الأب وحنان قلبه وبسمة عينية وضمتهما ودفء ذراعيه لا يمكن أن يكون في مثله، يظل دائماً هو الملاذ والمتسع مهما ضاقت الحياة.
ما زال ( ادهم ) يحتويها بكفيه يهدأها حتى فجأة رفعت رأسها تنظر لعينة مباشرةً، وقالت:
- بابا .. هو فين إسلام و وليد؟ حتى زين مشفتهوش؟ أنا عايزة اروح ادور عليهم.
تبادل ( أدهم، لمار ) النظر في دهشة ، لم تلبث طويلًا أن تلاشت ما أن قال ظابط في ود واحترام :
- أنا آسف جدًا يا سيادة اللواء لمار وأدهم ولكن لازم ناخد المتهمة.
أدارت ( لمار ) رأسها تطبق جفنيها في ألم، لم تتوقع يومًا ان تُلقي القبض على قطعة من قلبها وبتهمة قتل!
لم ينتظر الظابط أكثر، بل جذب عائشة ليكبلها بالأصفاد...
وأمام أنظارهما ساقت أبنتهما إلى سيارة الشرطة، لتدمع عينا لمار وهي تهمس في حسرة موجعة :
- عملتِ ايه في نفسك يا عائشة؟
شعرت بكف ( أدهم ) يطوق كتفها وهو يهمس في خفوت بجوار اذنها :
- خير ان شاء الله، مش هنسيبها وهتخرج متقلقيش قولي يا رب.
سارت معه للخارج لترفع عينيها إلى السماء تناجي الرحمن بفؤادها أن يمر هذه الأيام على خير، ولا يأذها في احد من احبتها مجددًا، ترجوه أن يرفق بحال ابنتها وحالها، وتسأله العوض والجبر.☘️اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد ☘️
بأقدام مرتشعة خطت داخل المشفى .. تتطلع حولها في إشتياق للغائب الذي كانت تضج روحه فيها، المشفى ليست كما هي بها شيءٌ ناقص .. بسمة غائبة، وفرحة ضائعة ، الجميع في حالة حزن اطباء ممرضيين مرضى، فـ الغائب ليس اي أحد أنه شخص كان يغمر الجميع بحنانه وكرمه، بذل جهده لفرحة من حوله.
و بذل كُل مالهُ في سبيل الله.، للفقراء والمحتاجين والمساكين ، لم يقُل لأدخر المال قد أحتاجه غدًا ! إنما كانَ يقول قد لا يأتي عليَّ غدًا، فلماذا أدخر مالاً لن ينفعني
لم تشعر ( خديجة ) بدمعها الذي يهوى على وجنتيها وكم حمدت نقابها في تلك اللحظة الذي تتوارى خلفه الدمعات، وقفت أمام الحجرة التي بداخلها ( وعد.) تستجمع رباطة جأشها تتنهد وتزفر عدة مرات ثم ادارت المقبض و دلفت وهي ترفع نقابها مشرقة المحيا ببسمةٌ تتألق على ثغرها جلست بجوارها تُحادثها ربما تُبدي اي ردة فعل.
لم تلبث ان بدأت تتلو القرآن بصوتٌ سجي مطرب الاذان.
كان ( رحيم ) يسير بطريقه للمشفى شارد الذهن مشتت، موجة غريبة تمتلكه من الضياع، وسوس له الشيطان قائلًا :
- لماذا لا تطلقها ؟ لماذا ستدفن نفسك مع امرأة شبه حية!
ولماذا ستحافظ عليها؟
سيركض عمرك دون ان تشعر أن ظللت بحوارها، أتركها وتزوج بأخرى.
وابل من الأفكار تجتاحه بلا هوادة وهو يسير كـ المتغيب كأن ثمة من يشده من يده ويفكر بدلًا عنه، وطأة قدميه المشفى وفجأة حدق فيها مزهولًا لا يدرِ متى وصل؟
ثُم انفض رأسه وتابع طريقة بوقار ورزانة، استمع لصوت خديجة فعلم انها بالداخل فطرق الباب وانتظر قليلًا حتى أذنت له، فدخل بصمت واتجه إلى الأريكة وجلس عليها دون ان ينبس، مما آثار عجبها لكنها رجحت ذلك لارهاقه البادي على وجهه المنهك، عادت لقراءتها مجددًا، رويدًا رويدًا بدأ رحيم يطرف باجفانه في ثقل غير قادرٍ على فتحهما كأن ثمة من يغلقهما عنوة، المته رأسه حتى احس بانها ستنفجر فظل يحركها يمنى ويسر دون صوت، صفير حاد اخترق اذنه ليسدهما وهو يميل بمرفقيه إلى فخذيه، ولم يلبث إذ إن عاد بجسده للخلف ورأسه أيضًا وغفى .. لم يغفى تمامًا، كلا ان روحه قسرًا ذهبت لمكان آخر، فجأة وجد نفسه داخل غرفةٌ مظلمة وحية تسعى تجاهه فأحتار لم يدرك ماذا يفعل ولا يوجد طريقٌ للخروج، ظل يبعد عنها يمنى ويسر حتى طلع في وجهه وجهٌ أسود مخيف ذا بؤبؤ عينين حمراء كـ الدم فأتسعت عينيه وهو يهوى للخلف بظهره على الجدار جاحظ العينين به، انقذه صوت خديجة المنادي بقلق قائلة وهي قريبة منه بعدما صرخ مستغيثًا مرتجفًا متقلبًا كمن يواجه كابوسًا :
- رحيم .. رحيم .. رحيم .. أنت كويس؟ فوق مالك، بسم الله الرحمن الرحيم .. رحيم.
بصعوبة رمش بعينية ينظر إليها في تيهة وهو يهز رأسه يمنى ويسر فابتعدت خديجة آتية بقرورة مياة كانت بحانبها وناولته له قائلة برنة قلقة :
- رحيم ، خد اشرب.
تناولها منها وتجرع منها وللعجب كان حلقه جافٍ للغاية مُرًا، ثم سكب حفنة بيده ومسح بها وجهه وهو يتنهد بقلبٌ خافق، تساءلت خديجة مرة أخرى عما به، وما هم بإجابتها حتى مال برأسه كاتمًا فمه بكفه شاعرًا بالتقيأ فوثب واقفًا وحث الخطى إلى دورة المياة تحت أنظار خديجة الذاهلة.
دقائق وخرج وقد تلاشى الأرهاق وشحوب وجهه فتقدمت إليه تساءله بلهجة قلقة:
- رحيم أنت كويس اجيبلك دكتور؟
هز ( رحيم ) رأسه نفيًا، وقال:
- لآ مفيش داعي شكلي خدت دور برد.. هو ايه اللي حصل؟
تساءلت ( خديجة ) بنبرة وبسمة قلقتان :
- متأكد ؟ أنت كنت بتحلم بـ ايه؟
- حلم ايه؟ هو انا نمت؟
سئل متعجبًا، فـ اردفت ( خديجة ):
-ايوة نمت وكنت بتنادي على وعد وبتتنفس بالعافية؟
رفع ( رحيم) حاجبيه وقال في دهش :
- انا مش بنام في النهار ابدًا.
ثُم هز كتفيه وقال في بساطة :
- يمكن غفيت شوية، والله ما انا فاكر اي حاجة مش عارف ليه.
توجه إلى ( وعد.) ملثمًا جبهتها وكفها الموصل بمحلول تغذية، أستدار لـ (خديجة ) وهو يعتدل، وقال :
- هروح اكلم الدكتور اعرف لو في جديد ولا حاجة، خليكِ جنبها.
أومأت ( خديجة ) في تيهة، كل شيء يبدوا غريبًا، ما بال رحيم تقسم ان هناك امرًا ما، لوهلة يكون هو ذاته، وأخرى لا؟
هزت كتفيها واتجهت جالسة جوار ( وعد ) تعود لتتلو القرآن مجددًا.
لم تمكث طويلًا وإذ بالباب يُفتح بعد طرقة واحدة وتدخل والدتها والصغار معها ويتحول الهدوء إلى ضجيج محبب لقلبها..
أقترب ( عاصم ) مقبلًا رأس والدته يسئل عن صحتها، لكنه لم يتلقَ اجابة فجذبته (ورد) لحضنها،وبحنان ام أردفت في اذنه :
- متزعلش يا حبيبي ماما تعبانة عشان كده مش بترد عليك.
هز عاصم رأسه متفهمًا، وابتعد عنها ليقف مع الصغار، فتسألت ( خديجة) وهي تميل على امها :
- مفيش اخبار يا ماما عن عائشة، هتخرج امتى من السجن؟
سكتت ( ورد ) لـ هنيهة قبل أن تجيبها شاردة :
- ربنا يستر، عائشة حالتها وحشه.
ادمعت عينا خديجة وهي تدعوا في نفسها لها.
أنت تقرأ
رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتمله
Acciónترعرعت بين يديهِ ، كان هو كُل دُنيتها ، سراجُ حياتِها المنير ، هي العمياء التي لم تدر مِن الحياة إلا هو ، ليأتي القدر وينتشلها منه فـ تغداَ حياته ظلامًا بدونها ، عشق نشب منذ الصغر فرقه القدر ، فهل يجدها ؟ يجد تلك العمياء سالبت روعه ؟