الفصل الثامن والعشرون

1K 112 56
                                    

| قَارِئ الأفكَار |
.
.
.

أعطتْ خيوط الشمسِ الذهبيّة إشارةً بطلوعِ فجرِ يومٍ جَديد، رغم بُهتانِ لونِها على تِلك الأراضِي الثلجيّة، دفعتْ بالقمر بعيداً عَن عَرشِها الثَمين

كانَ مُستيقظ بالفِعل مُنذ فَترة، لِجواره استقرّت أربعة كُتب ثَقيلة، و يبدو أنه مُنغمسَ فِي قراءة إحداها الآن، شعرهُ البندقيّ مُبعثر بفوضوية حول وجههِ، و عينيهِ القرمزيّة استقرّتا على صفحاتِ الكتاب يلتهمُ الأحرف بشغف و سُرعة
انعزلَ عن مُحيطه لدرجة أنّه لم يسمع صوتَ بابِ غُرفته و هو يُفتح

دخلَ إيدولاس بهدوء شَديد، ثمّ أصدر صوتاً خَفيفاً لِيلفت انتباه ابنه الشارِد في بحرِ القِراءة عَلى ما يبدَو، فاضطرّ الرجلُ لِرفع نبرة صوتِه قليلاً و هو يُناديه

-" داريُوس ! "-

استفاقَ الأخير من اِنغماسه و التفتَ ببلاهه لحيثُ كانَ يقفُ والده بشموخ، مع تكشيرة بَسبطة على وجههِ، عيناهُ الناعِسة التحمتا بخاصّة داريُوس حينَ تنهّد بيأس و أردف قائِلاً بينما يقتربُ و يُقلّص المسافة بينهما

-" إنّكَ سريع الانعزالِ عَن مُحيطك، ألم يُخبركَ أحدهم بِذَلك مِن قَبل؟ "-

تكلّفَ داريُوس ابتسامة خَفيفة

-" آه، بَلى .. أظن "-

قالَ كلمتهُ الأخيرة بِشكّ و ترددّ، خَشِيَ أن يُغضب هذا الطَبع والِده، لكنّ إيدولاس ابتسمَ هو الآخر بِخفّة

-" هَل حصلتَ على نومٍ مُريح؟ توقّعتُ أن أجدكَ نائِماً لأنها ساعاتُ الصباحِ الأولى ليسَ إلّا، لكنّ ياللنشاط ! "-
-" ما باليد حِيلة، لقد اِعتدتُ عَلى الأمر .. "-

همهمَ إيدولاس مُتفهّماً، فصمتَ داريُوس ينتظر معرفة سَبب تواجِد والده الحقيقيّ هُنا هذهِ المرّة، فهو في كُل مرّة يجلب بجعبتهِ خبراً جديداً قَد يَصدمه و قد يُزعجه و قد يُثير اهتمامه

-" حاوِل الحصول عَلى راحة قَدر الإمكان، فاللّيلة سيتمُّ ترسيمكَ أخيراً. "-

هاهوَ ذا، الخِيار الثانِي
الاِنزعاج.

كشّر داريُوس و ظهرتْ ملامحُ العبوس جَليّة و واضحة على محاياه، فلاحظهُ إيدولاس بسرعة حينَ أردف مُوضّحاً

-" مامِن داعِ لِلقلق، سأكونُ لِجواركَ، كَما أنّ الأمر لَن يَكون سَيئاً.. "-

لَقد قال نِصفَ الحقيقة على الأقلّ، الترسيمُ بِحدّ ذاتِه ليسَ بالشَيء الكَبير أساساً، و سيمرّ بسهولة و يُسر، لكنّ داريُوس لَن يتمّ ترسيمه فحسب..
و هو الشَيء اللّذي يجهلهُ الصبيّ بُندقيّ الشعر أمامه، و يَبدو أنه لا عِلَم له بِمَا سيخوضهُ قريباً ..

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن