الفصل التاسع والعشرون

990 106 126
                                    

| الطَمَع |
.
.
.

-" هَل يُمكننا المُغادَرة الآن؟ "-

سألَ داريُوس بهدوءٍ و راحَة بعدَ أن انتهَى أمرُ تَرسيمه - كَما يَزعمون - عَلى خيرِ ما يُرام، و هُوَ جاهزٌ لِلعودة لغرفته و استئنافِ قراءة كُتبه المُستعارَة
لكنّ إيدولاس كانَ لهُ رأيٌ آخر عَلى ما يبدو
وضعّ كفّ يده على ظهرِ بُندقيّ الشَعر، ثمّ تكلّم بهدوء

-" ما زَال هُناك شَيء أخير لِتَقوم به "-

هيّأ داريُوس نفسه مُسبقاً عَلى اعتقادِ أن التَرسيم سيكونُ صاخِباً بعض الشَيء، خصوصاً أنّ والدهُ طَلب منه أن يأخذَ كِفايتهُ مِنَ الراحة، لِذا فكلامُ إيدولاس هَذا لَم يكُن مُثيراً لِلريبة بشكلٍ كَبير بالنسبة إليه
همهمَ مُتفهماً مع بعضِ الفَضولِ و الترددّ اللّذي هَيمنا عَلى ملامِحه آنذاك

تقدّم إيدولاس فتبعهُ داريُوس بِتلقائية، كانَ المَلِك قَد غادرَ قبلهُم نَحو غُرفةٍ أخرى بالداخل، اتّجه المُتواجدونَ البقيّة ناحية الغُرفة ذاتِها، هُنا بدأ داريُوس يشعرُ بالقليل مِن القَلق، خصوصاً أنه و فورَ أن خطّتْ قَدماه عَلى بلاطِ تِلك الحُجرة انتابهُ شعورٌ خانِق و حِدس سَيّء يُخبره بالهُروب

كانتْ شاسِعة الحجم إن صحّ التعبير مع نوافِذَ عِملاقة حُجِبتْ بستائرَ غَليظة
في أقصاها توسّط مقعدٌ فاخِر و مُزخَرف بهندسيّة، كانَ المَلِك يتجّه ناحيته لِيَجلس واضِعاً كِلتا ذراعيه عَلى الجانَبين و يضعُ ساقاً فوقَ الأخرى
معَ ملامح وجهٍ مُتململة إلى حدٍ ما

وقوفُ إيدولاس بِجانب اِبنه هوَّنَ الأمر عليه
أول ما شاهدهُ داريُوس حِينَ دخل كانَ الامرأة ذاتَ الشَعرِ الكِستنائي، تجلِسُ عَلى مقعدٍ جِلديّ في مُنتصف الحُجرة، شعرها الكَثيف أخَفى بعضاً مِن ملامِح وَجهها الشاحِبة، لكنّها فورَ أن دخلَ الضيوف لِمَكانها حاولتْ تحريكَ رأسها بِصعوبَة كَي تتمكّن من مُشاهدة داريُوس، اللّذي كانَ يقطبُ حاجبيه بِتوتر غير مُدركٍ لِما يحدثُ حَوله، عيناهُ القُرمزيّة حَملتا الكَثير من الحِيرة والاستنكار

لاحظَ إيدولاس ذَلِك لكنّه لم يُفسر الأمر له مُباشرة، بَل فتحَ فمه يُخاطب الامرأة عَلى المقعد

-" فِيليدا.. "-
-" لَا يبدو ضـ.. ـعيفاً، هـ.. ـذا جيّد." -

تحدّثت المَدعوّة فِيليدا أخيراً، خرجَ صوتها شاحِب تَماماً و بنبرةٍ مُتقطّعة، كَما لو أنّها تبذل جُهداً عَظيماً فقط لإخراجِ بِضعَة حروفٍ مِن حنجرتِها المُتعَبة

ازدادتْ العُقدة بينَ جبينِ داريُوس حِين تمتمَ يُخاطب والِده بِحَذر

-" ولكنّ ما اللّذي يَحدُث؟ "-
-" لا بأس أيّها الصَغير، إنّها ترغبُ بإلقاءِ التَحيّة عَليكَ فَحسب. "-

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن