الفصل الثاني والستّون.

979 116 117
                                    

| ضَغِينَة |
.
.
.

أجواءُ تِلكَ اللّيلة الضَبابيّة كَانتْ تُشابَه كآبةَ قلبهِ آنذاك، أحكمَ إمساكَ يدِ أخيه الصَغِير الواقِف بِقُربه ليخففّ عَنهُ وَطأة هَذا الحَدث دونَ أن ينظر إليه
البالِغونَ حَولهم لَم يَبذلوا جُهدَاً فِي مواساةِ أحدهِمَا
بَل كان الأمر أشبَه بإجرَاء تقليديّ لا أحدَ يكترثُ - فِعلياً - له، جميع الحاضِرون تَظاهروا بِالتأثر أمامَ ذلك الجُثمَان عِندما كانَ هُجنَاء السُلالَة يُوشِكونَ على وضعِ التابوتِ الّذي يضمّ جَسدها الهامِد بينَ أحضانِ التراب أسفلهُم

فِي مَقبرةِ أديلمَار، تمّ دفن جُثة الأميرة مَالفِينا، أمٌ لِصبيّان صَغيران فَقدتْ عقلها و أقدمتْ عَلى الاِنتحار بعدَ إفصاحِ زوجِها عَن خِيانته لَها بجلبهِ طفلته لِلقصرِ الأول، الطِفلة كانتْ تحمل مَلامِح أبِيها الخائِن، و كانتْ أكبر سِنّاً من اِبنها الصَغير و ذلك لَم يزدها سِوَى جنونَاً، فالمُتّهم بِالدناءَة عاشَ معها تِلكَ السنين يُخفِي أمر ابنتهِ عَنها و يتصرّف كَما لو كانتْ زَوجته هيَ حبّ حَياتِه الأوحَد

كانتْ مَالفِينا من النِساء الّواتي لا يتحمّلنَ جَسامة الخِيَانة و يَسقطنَ أمامَها، و رغمَ قوّة شخصيّتها و سُلطتِها فِي القَصر سابِقَاً، تمكّن زوجها من هدمِ كلّ ذلك فَقط بجلبهِ لِطفلتهِ غير الشَرعية ثمّ أمرَهَا أن تعتنِي بِها كأحدِ أبنائهَا.

تركتْ مَالفِينا وراءهَا طِفلين بقلوبٍ أعماهَا الغلّ و الحِقد، رَحلتْ بعدَ أن زرعتْ فِي جوفِهما كُرهَاً لِلفتاة الدَخِيلة .. لِيكبرَ الصبيّان مع فِكرة أن تِلكَ المَزعومة هيَ مَن تسببّت برحِيل والدِتهما.

-" ما الّذي سَنفعلهُ الآن؟ إيدجَار. "-

الأصغَر تحدّث يُقاوم دَموعه و هوَ يُشاهدهم يدفنونَ والِدته الثَمِينة أمامَ عَينيهِ، فصمتَ المعنيّ دونَ ردّ مُباشر
و أطالَ التحدِيقَ أمامه بِذبولٍ دونَ أن يَرمِش، مُنصِتاً لِهمساتِ النِفاق و الكَراهية من حولِهما، كَم أرادَ الهروب من هَذا المكان و العيشَ بحرّية دونَ قِيود خلَفَ الغابَة، ذلكَ القَصر يجلبُ له كآبةً موحِشَة لا تُطاق و ما عادَ يتحمّل الصمود
لكن أحدهم في أمسّ الحاجةِ لَه الآن ..
لِذا، عليهِ ترك رغباتهِ الشَخصيّة جانِبَاً.

-" لا بَأس إيدولَاس، سأكونُ هُنا بقربكَ .. "-

واضِعاً قِنَاع اللُطفِ و الدِفء على وجههِ نطقَ إيدجَار بنبرةٍ مَرِحة لِيُزيل هلعَ شقيقه الصَغِير، ثمّ دَنى قليلاً وَ اِستقرّ أمامه لِيحجبَ عنه رؤية القَبر وراءه بوجههِ الباسِم بإشراق وسطَ سوداويّة أجواءِ تِلكَ الجَنازة و قَتامتها

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن