الفصل السادس والخمسون.

958 122 207
                                    

| أفضَلُ رَفِيق |
.
.
.

صوتُ خطواتِه اللّتي راحتْ تضربُ البلاط تَحته لم يتوقّف مُنذ أكثرَ من نِصف ساعة، كانَ يدور كَالنحلة عبرَ ذلك الممرّ الطويل ذهاباً و إيابَاً دونَ كللّ، يكاد عقلهُ ينفجر لِشدّة قلقه
إنهُ مُجرد فَحص طبيّ روتينيّ فَما اللّذي يؤخرهم ؟!
كُلّ ما يَتمناه آنذاك كانَ الحصولَ على أخبارٍ تسرّه، أو عَلى الأقل عدمَ حصولهِ على نوبَة قلبيّة إن حدثَ ما يَخشاه ..
يدعو بِصدق أن يَنجو نجلهُ و يُحارب داءهُ اللّذي يفترسُ جسده الهشّ يَوماً بعدَ يوم أمامَ ناظِريه مُنذ وِلادتهِ قَبل سِتة عَشر عامَاً ..
تمنّى لو أن زوجته كانتْ بقربهِ في هذهِ الساعات الصَعبة و المُقلِقة، لكنّها فارقتهُم سَريعاً قَبل أن يُكمل ابِنُهما الخامِسَة.

-" سيّد أورلوف. "-

انتشلهُ ذلك الصوت من دوّامه أفكاره قَبل أن تفتكَ بِهِ و تقوده لِلجنون، فهرولَ مُسرِعاً ناحية الطَبيب اللّذي خرجَ لِلتو على ما يَبدو
و بعدَ حِوارٍ قَصير من أجلِ تهدِئة الرجل الثلاثينيّ أمامه تنهّدَ و هو يُلقِي عليه المستجدّات

-" أخشَى أنهُ سَيعيش ما تبقّى من حَياتهِ عاجِزاً عن المَشِي .. إنّ مرضه يَتفاقم بصورةِ سَريعة و العِلاج لِذلك مُكلِف جِداً .. "-

ثمّ أشاحَ ببصرهِ عن ملامحِ الرجلِ أمامه و هوَ يُكمل بهدوء

-" لَقد حاولنَا قَدر المُستطاعِ تَقليل الأضرار في آخِر عَمليّة، و هذهِ و لِسوء الحظّ هيَ أفضل نَتِيجة مُمكنة، لا يزالُ قادِراً على تحريك الجزئ العلويّ من جَسدهِ "-

هَمهمَ السيّد أورلوف بِصمتٍ وَ فتور و عيونٍ خاوِيَة و هوَ يُطأطأ برأسه

-" هَل يُمكنني .. رؤيته؟ "-
-" بِالطبع. "-

أجابهُ الطبيب عَلى الفور مُفسِحاً له المَجال، ثمّ اعتذر على المُغادرة
فدخلَ الرجل تِلكَ الحجرة الطِبيّة مُدركاً أنه لَن يتحمّل تكالِيفها لفترة أطول و مُهيئاً نفسه لِلصمود أمامَ ذلك المَنظر

ابنهُ اليافِع كانَ يستلقِي بهدوء فوقَ ذَلِك السَرير .. المُمرض المُتواجِد بقربهِ ليتفقّد أجهزته الحيويّة غادرَ عِندما شاهدَ والد المَرِيض يدخُل بعد أن ألقَى عليهِ التحيّة بلُطف
اقتربَ الرجل أكثر ناحِية ذلك السرير الأبيَض و سحبَ ذلك المقعد لِيجلسَ عليهِ بقربِ رأسِ اِبنه اللّذي كانَ مُستيقظاً لكن بِنصفِ وَعي على ما يَبدو
صدره كانَ يرتفع و يَهبط بوتيرة بَطيئة جِداً دلّت على سوء تنفّسه، الأمر ذاته ينطبقُ عَلى حركةِ رأسه عِندما أدارَ به ناحِية أبيه اللّذي مسحَ على شعرهِ البُنّي الكَثِيف بِحَنان

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن