الفصل التاسع والستّون.

1.1K 109 108
                                    

| لَحظاتٌ ثَمِينة |
.
.
.

بَعد قضاءِ يومٍ مُمتِع و عفويّ مع رِفاقهِ وأخيهِ الصَغير و تخزينِ مزيدٍ من الذِكريات السَعيدة فِي رأسهِ، عادَ داريُوس إلى حدودِ سلالتهِ المَلكيّة عِندما اِنتصفَ اللّيل و قاربَ الفجر عَلى الطلوع و عانقتْ عقاربُ السّاعة الثالِثة صَباحًا
كانَ قُرص السماءِ الفضّي المُشِع ما زالَ متربّعًا فِي عرشهِ بينَ النُجوم لِساعة إضافية

عِندمَا دخلَ يقصد الذهابَ لِلمدخلِ الرئيسيّ من القصرِ الأول، لَمِحَ على يمينهِ لونًا فيروزيًا لفتَ نظره، فأدارَ بِرأسهِ لِمَصدره في الأسفل و اِلتمعتْ يُمناه لدى رؤيتهِ لِتلك الزهورِ الفاتِنَة و الّتي يَبدو أنها قررّت أخِيرًا أن تفرج عن جمالِها المَكنون طَوال تِلكَ الأشهر
يتذكّر جيّدًا أنها نوع النَباتاتِ المُفضّل لدى خَالتهِ و لَدى شخصٍ آخر ..

غيّر داريُوس وجهته حينَ سَلك طريقًا أخرى تؤدِي لِلحديقة الخلفيّة بخطواتٍ عَجولة كَمن يخشى تفويتَ فُرصة مَا، و حِينَ وصلَ أخِيرًا وجدَ ضالّته يقفُ على بعدِ بضعة أمتارٍ منه و يوجّه جَسده ناحيةَ حقلِ الزهور البديعِ ذاك، و الّذي كانَ يُومِض بخفّة تحتَ شعاعِ القمر المُزرّق فتلألأتْ بتلات الزهورِ فِيه مُشكّلةً لوحة زاهِية و ساحِرة تستحقّ التأمل
لكنّه لَم يَكُن يتأملُ جَمال ذاك المنظر أمامهُ، بَل كانَ سارِحًا في مُخيّلته الّتي صوّرت له جسدَ شبيههِ و هوَ يقطفُ تِلكَ الزهور الفيروزيّة بابتسامة دافِئة زيْنت مَلامِح وجههِ الّذي اشتاقَ لِرؤيته بشدّة.

لُوسيوس كانَ شارِدًا و مُنفصِلًا عن الواقِع آنذاك، يقفُ بِثَبات ولا يتحرّك فيهِ سِوى خصلات شعرهِ المموّجة و رِداؤه الفضّي جرّاء نسيمِ الهواء الخفِيف الّذي داعبه
لكنّه سرعانَ ما أفاقَ مِن سرحانهِ على صوتٍ هادِئ صُدِرَ قُربِه

-" تَبدو جَمِيلة. "-

قالَ داريُوس ذلكَ قاصِدًا مجموعةَ الأزهارِ الفيروزيّة أمامهُما، والّتي كانتْ تشكّل جزءًا لا بأس بِه من مساحةِ ذلكَ الحَقل الصَغِير في الحديقة الخلفيّة

-" هَذا صَحِيح "-

لُوسيوس أجابهُ مع اِبتسامة ذابِلَة و وجهٍ شاحِب .. ثمّ شاهدَ داريُوس و هوَ يهبط و يجلسُ ضامًّا ركبتيهِ إلى صدرهِ مُتأملًا المنظر الساحِر بهدوء لِنصف دَقيقة عمّ فِيهَا الصمت .. أوشكَ مُموّج الشعرِ أن يفتتحَ الحديث مُحاوِلًا التَظاهر بكونهِ بخير و التصرّف بشكلٍ طبيعيّ لكن داريُوس سَبقه عِندما فتحَ فمهُ أولًا

-" عَلينا المُضِي قُدمًا .. "-

يُمناه القرمزيّة اِلتمعتْ و هوَ يُكمل راسِمًا طيفَ بسمة باهِت على شفتيهِ دونَ أن يلتفتَ لِمن يُخاطبه

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن