الفصل السادس والستّون.

1K 111 181
                                    

| القُرصَانُ الأبيَض |
.
.
.

مَضتْ حوالِي ثَلاثُ دقائق وَ عيناهُ الزَرقاء ما زالتْ تُعانقُ الجَسد الميّت أمامهُ بِفُتور يُخفِي وراءهُ شرخَاً لَم يعتقد يَوماً أنّه سَيؤلمه لِهَذا الحدّ، تعابير وجههِ البارِدَة لَا تُشابه مُطلَقاً مشاعرهُ المُتضارِبَة في تِلكَ اللّحظة
لَم يظنّ بأنه سَيشعر بشعورِ الندمِ اللّاذِع مُجدداً في حَياتهِ، لَكِن هَاهوَ ذا.

-" الوَقتُ يُداهمنا، كايُوس ! أنتَ تَعلم ما الّذي سَيحدث قَرِيبًا "-

آبِيلنو اِنتشلهُ من شرودهِ مُحاوِلَاً قَدر اِستطاعته مُراعاةَ وضعِ كايُوس الحاليّ حينَ جعلَ نبرته هادِئة رغمَ سوء الظروفِ المُحيط بِهم حاليّاً ..
و ذَلِك المَعنيّ لَم يُجبه سِوَى بعد مرورِ دَقيقة إضافيّة بدأ آبِيلنو فِيها يفقد أعصَابه

-" غادِر "-
-" ما الّذي تقصدهُ بِـ 'غادِر' ؟! تَتصرّف و كأنّك لَن تأتِـ... "-
-" أنَا لَن أفعَل. "-

الردّ الجاف الّذي قاطعَ كايُوس بِهِ حديثَ رفيقهِ كانَ كَفِيلاً برسمِ ملامحَ مَصدومة على وجهِ ذلك الأخِير و هوَ يُتمتم بذهول

-" هَل تعبثُ مَعِي، كَاي؟ "-

الأشقَر أمالَ بجسدهِ لِيجلسَ على ركبتيهِ ثمّ أزاحَ بِرِفق مِعطفَ جِيمس الّذي كانَ يُغطّي وجهَ الفَتى الميّت أسفَله، و صمتَ يتأملهُ بشرود
عِندما عثرَ عليه مَدفونَاً بإهمَال وسطَ الثلوج قَبلَ خمسِ سَنوات من الآن، مِنَ المُضحكِ التَفكِير أنه كانَ - فِي الواقِع - في طريقهِ لِإيجادِ وَسِيلة يتخلّص بها مِن نَفسهِ، لأن السقوطَ من الدورِ السابِع لَم يَقتله عِندمَا حاولَ ذَلِك آخر مرّة

و كانَ عثوره على هَذا الصَبيّ في مُنتصف طريقهِ بِمَثابةِ صَفعة أعادتهُ لِلواقِع، فعاشَ مُتسائلًا إلَى أي مَدى سيُواصِل كلاودِيل الصمودَ بعدَ أن أنقَذه .. و ذَلِك و بطريقةٍ غير مُباشرة كانَ بمثابة رادِعٍ له من الاِنتحَار، حيثُ أنه قتلَ وقتَ فراغهِ بِمُراقبة الصبيّ و الاِعتناء به و تَعليمهِ كيفيّة الدِفاع عن نفسهِ و اِستعمالِ الأسلِحَة و بِالتدريجِ البطيء وجدَ نفسهُ يَنسى هواجِسَه الاِنتحاريّة و يَتشبّث بالحياة هوَ الآخر دونَ إدراك

-" لَا شَيء سَيُعيده لِلحَياة، كايُوس .. لَكِن أنتَ ما تَزالُ حيّاً. "-

آبِيلنو أردفَ بهدوء عَلى عكسِ العادَة، آمِلاً أن تَصِل كلماتهُ تِلك إلى أعماقِ شَرِيكه الكَئيب فَتضرب فيهِ وترًا حسّاسًا دونَما فائدة، فَلا يَبدو أن ذلك المَقصود يُعيره أي اِهتمام فِي المقامِ الأوّل

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن