الفصل السابع والأربعون.

898 113 97
                                    

| غَلطةُ ماريُون |
.
.
.

الصَدمة اللّتي شعرَ بِِها عندما رأى رَفيقهُ القَديم و أول صديقٍ حَضي به في حَياتهِ يقفُ أمامهُ مُباشرةً على بعدِ بِضعة أمتَار جعلتهُ عاجِزاً عن الحَديث، أفكارهُ تَصادمتْ بشدّة في عقلهِ لدرجةِ أنه تشوّش
ما بينَ صدمةٍ و حِيرة، و سعادةٍ و لَهفة لِلقاءهِ

هوَ حتّى لم يُفكر في سببِ وجودهِ، أو كيفَ دَخل، و كَيف أن ماريُون بحدّ ذاتهِ كانَ موجوداً على البلاطِ المَلكيّ في حدودِ السُلالة اللّتي يَكرهها و بِشدّة .. هوَ أيضاً لم يُلاحِظ ملامحهُ الذابِلَة و الخاوِيَة من الداخِل والخارِج، ماريُون اللّذي يقفُ أمامه الآن، لَم يَكُن يُشبه ماريُون اللّذي يعرفه إطلاقَاً.

لكن كلّ تِلكَ الأمور غَفِلَ عنها داريُوس عندما أعمتهُ سعادةُ رؤيتهِ فَحسب، فتحرّكتْ قدماه تِلقائياً و سارعَ فِي خُطاه ينوي احتضانهُ و ضمّه إليهِ كَصديقٍ اشتاقَ لصديقهِ بشدّة
لكنّه توقْف بَغتة عِندما شاهدَ عَسليّ العينان يتراجعُ لِلوراء رافِضاً ذلك التصرّف العفويّ، بل و أمالَ رأسهُ قَليلاً لِلأسفل باحترام و هوَ يتحدّث بصوتٍ شاحِب و شَديد الهدوء بينما يضعُ يُمناه على صدرهِ

-" مساءُ الخَير، أيّها الأمير داريُوس. "-

تجمّدَ المقصود مكانهُ بِثَبات، ثمّ و عندما رفعَ ماريُون رأسه مُجدداً تمكّن هو أخيراً من مُلاحظة ملامحِ وَجهِ رفيقه، شعرَ بالهَلع عندما رأى كَم أن عَيناهُ العَسليّة ذابِلَة بشدّة و تَبدو خالِية من بريقِ الحَياة، مع عُقدة صَغيرة جِداً بينَ حاجبيه .. لَن يكذب إن قال أن تحيّة ماريُون تِلكَ أشعرتهُ بمرارة في قَلبهِ

لقدَ اِعتادَ على نبرتهِ المَرِحة و اللّطيفة و هوَ يُحيه كَصديقٍ مُقرب لا تفصلهُمَا المَكانات في كلّ مرة عندما يلقاهُ في المَدرسة، اِعتادَ على ضربِه لِكتفه بخفّه ثمّ مُشاهدة تلك الابتسامة البَشوشة اللّتي تريح كل من يَراها و هيَ تُزين ملامِحَ وجههِ المُشرِقة

أينَ ذهبَ ماريُون؟

من أينَ أتتْ هذهِ الرَسميّة، ألا يُمكنه حتّى احتضانهُ؟
لقد اشتاقَ إليه بما فِيه الكِفاية، فليرأف بحالهِ و لِيتركه يُعانقه لمرّة واحِدة عَلى الأقل بَعيداً عن هُراء الرسميات البائِس هَذا

-" ماريُون أنـ... "-
-" لديّ بعضُ الأخبار اللّتي يجبُ عَلى سموّكَ معرفتها ... "-

حملَ داريُوس ملامِحَ مليئة بالحَسرة عِندما قاطعهُ ماريُون ببرود، ألن يكفّ عن التحدّث معه بهذهِ الطَريقة ؟؟ هُما لا يَزالان صَديقان
لا يزالُ رَفيقه اللّذي يُحبّه و يكترث له ..

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن