الفصل الثالِث والعشرون

1.4K 122 81
                                    

| نَوبَةُ عَطَش. |
.
.
.

صوتُ خطواتِه المُنضَبِطة صَدحَ في أرجاءِ ذَلِكَ المَمر الداكِن، رغمَ فخامتِهِ سِوى أنه لَم يكن يحتضنُ إضاءة كَافية لتُنِيره، مُجرد ضوءٌ باهِت بلونِ الغروبِ يصدرُ من أعلى السَقف مع بعضِ الرجال ذوي ملابِس مُتناسِقة و موحّدة وقَفوا بانضباطٍ شَديد و بِمسافاتٍ مُتساوية، حيثُ توسّطهم إيدولاس و هوَ يمشي مُتجهاً ناحيةَ ذَلِك الباب الضَخم ذو الزخارِف الراقيّة

حَالما وَقف أمامهُ مُباشرةً انتظرَ دَقيقة واحِدة ثمّ فُتِح عَلى مصرعيه، خَلفَ ذَلِك الباب كانَ يوجد مكتبٌ ذا تصميمٍ هَندسيّ فَريد تنسدلُ منه ستائر شبهُ شفّافة بطريقة عَصريّة و خلفهُ كَانت ستائر سَميكة حَملتْ لوناً قرمزيّاً داكِناً أطفى عَلى تِلك الغرفة العِملاقة شَيئاً من الظَلام سوى أن الإنارة بالداخِل كانت أفَضل مِما هيَ عليهِ بالممرّ، خلفُ ذَلِك المَكتب استقرّ رجلٌ طَويل على مِقعدهِ الجلديّ المُزيّين بالرّيش و الفَرو يحملُ شعراً داكِن يرفعهُ لِلأعلى مع خُصلة بيضاء تنسدلُ عَلى وجنته اليُمنى، لَم يكن وجهه بِه الكثير من التجاعيد بَل بدا شاباً في بداية الثلاثينات رُغمَ أنه أكبر مِن ذَلك، أعينهُ الدمويّة الحادّة حدّقت بالرجل اللّذي دخلَ تواً إليه، و بابتسامة مُتكلّفة تكلّم بصوتهِ الهادِى يُخاطب إيدولاس

-" لَا يبدو أنّكَ هُنا لإلقاءِ التحيّة .."-
-" أنتَ مُحق "-

أجابهُ ذو الأعينِ الناعِسة ببرود قَبل أن يُخفضَ رأسه باحترام و يَرفعه بَعد أن سَمِع الإذنَ بذلك، ثمّ تقدّم أكثر و اتخذّ من إحدى الإرائِك الفاخرةَ أمامَ المَكتب مقعداً له، ليُكمل بَعد أن زَفر بِمَلل

-" لَا يبدو أنّ داريُوس بِخير، لا يَزالُ يحتاج بَعضاً مِن الوَقت قَبل أن يتمّ تَرسيمه. "-
-" هَل تقولُ أنّه لَم يستيقظ بَعد؟ "-

هزّ إيدولاس رأسه نافِياً فرفعَ الرجلُ خَلفَ المكتبِ حاجباً بِحيرة

-" الأمر فَقط أنّه ليسَ مُستعداً بَعد، أمَهلهُ بَعض الوقتِ، جَلالتك. "-

حلّ صَمتٌ مُطبِق بَينهما طَوال الدَقيقة التالية، قَبل أن يُغلق ذو الخَصلةِ البيضاء عينيهِ بهدوء

-" لَا بأس، لكنّنا نحتاجُ لِترسميه فِي أسرعِ وَقتٍ مُمكن، إيدولاس، أنتَ تعرفُ السَببَ بالفِعل، لَم يتبقى الكَثير أمامَ فِيليدا لِتَعيش، أسبوعٌ واحِد كحدٍ أَقصى. "-

لَم يُجبه إيدولاس، فَرفع الرَجلُ خلفَ المَكتب يده بهدوء يُعطيهِ الإذنَ بالخروج دَون قولِ شَيء و بِيدهِ الأخرى كَان يحرّك كأساً زجاجياً فاخِر مُلئ نصفه بسائِل أحمر قرمزيّ قَبل أن يرتشف مِنه بِضعَ رشفات.

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن