الفصل الثاني والأربعون.

922 119 80
                                    

|  نَزِيف |
.
.
.

-" أشكُركَ على قدومكَ إلى هُنَا من تِلقاء نَفسكَ يا سموّ الأمير. "-

لاحظَ داريُوس أن نبرتهُ كانتْ تحمل سخرِية لاذِعة أكثر من كونِهَا خَبيثة، فتراجع خطوة واحِدة لِلوراء
هوَ ليسَ غبيّاً لدرجة أنْ يظنّ بأنّ هَذا الشاب هُنا لإلقاء التحيّة، و لأنهُ ليسَ غبيّاً - أيضاً - فهو يعلمُ من مجرّد النَظرِ إليه أنه ليسَ نِداً له، و الانتصار عَليه سيكونُ ضرباً من الخَيال .. و لِسوء الحظّ فالأمر ذاته ينطبقُ على مجرّد الهروبِ منه قِطعةً واحِدَة
لكنّ داريُوس كانَ يُدرك ما سببُ تواجده، تَقريباً ..

-" لا تَقلق، سأعودُ بِنَفسي إلى أديلمَار هذه المَرّة. "-

تحوّلت ملامِح فلادمِير لأخرى مُستنكِرَة ثمّ أمالَ رأسه قَليلاً بعد أن فَهِم للتو ما قصدَه هَذا الفتى

-" آوه، إننّي لستُ هُنا لإجباركَ على العودةِ إليهم كالمرّة السابِقَة، بَل على العكسِ تَماماً .. "-

ثمّ اُظلِمتْ حَمراوتاهُ مع لمعانٍ قُرمزيّ لا يُبشّر بالخير مُطلَقاً و هوَ يسترسل

-" إننّي أُخطّط لألّا تعودَ على الإطلاق. "-
-" هاه؟ "-

تمتمَ داريُوس بعدم فَهم، لكنّه سرعان ما تمكّنَ من استيعابِ الأمر و وضعَ الاحتمال الأسوء في بالِهِ عندما قطبَ حاجبيه بِقَلق و هو يفكّر بطريقة لِإلهاء صاحب قبّعة القراصِنَة ذاك و الحصولِ على فرصةِ للهروب

ما قَصَدهُ ذلك الشاب حَتماً لم يَكُن إبقاءه في المَدينة رِفقةَ من يُحب لتكوينِ صَداقاتٍ جَديدة

فلادمِير تقدّم إليه ببطئ مُقلّصاً فارقَ المَسافة بينهُمَا فازدادتْ العُقدة بينَ حاجبيّ داريُوس لكنّه لم ينتظر طَويلاً عندما أدارَ بجسدهِ للخلف و انطلقَ مُستعيناً بسرعة مصّاصي الدِماء العالِية و تجاوزَ شارِعاً بالفِعل، كان من حُسن حظّه أن المكان شبه فارِغٌ من البَشر آنذاك فالطريق اللّذي سلكه بعدها كانَ فرعيّاً لا تطاله السيّارات، و قد اِبتعدَ كفاية عن الحيّ اللّذي كانَ يسكن فِيه

لم يتفقّد ما إذا كانَ فلادمِير يتبعه أم لا، و فِي كلا الحالتين هوَ سيستمرّ بالركضِ مُبتعداً لكي يضمنَ حصوله على مسافة جيّدة في جميع الأحوال

لكنّه توقّف قَسراً و بشكلٍ تِلقائيّ عندما انبثقَ ذَلِك العمود من باطِن الأرض للأعلى و اخترقَ ذِراعه اليُمنى مخلّفاً ثُقباً سيئاً و واسِعَاً في مُنتصفِ ساعِدهِ
دمائهُ سالتْ و تراشقتْ من فورِها، و هوَ أغمضَ عينيهِ و كتم صُراخه شاعِراً بألمٍ فَظيع، و لِسوء حظّه فذراعه كانتْ عالِقة في ذَلِك العمود اللّذي يفوقه طولاً بل يكاد طوله يصلُ لِلضعف، يحتاج أولاً لأن يعود لِباطن الأرض من حيثُ أتى كي تتحررّ ذراعه، ما لم يكن يرغبُ بقطعها كليّاً كي يتحررّ.

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن