الفصل الواحِد والعشرون

1.4K 128 70
                                    

| بِدايةُ كُلّ شَيء. |
.
.
.

لَامستْ قطراتُ الثلجِ الناعِمة أطرَاف الأرضِ البَيضاء حَولها لِتَنشرُ جوّاً هادِئاً صاحبهُ برودةُ قاسِية كالمُعتاد، و ذَلِكَ ما دَفعها لارتداءِ ملابسَ شتويّة بينما تلفُّ رَضِيعها الأشقر بِغطاءٍ سَميك تقيهِ من عُنف هَذا المناخِ اللّذي لا يتغيّر سِوى ما نَدر على تِلك الأرض التي تقفُ عَليها، رافعةً رأسها للأعلى تتأمل حجمَ ذَلِكَ القصر العِملاق و الذي تبعهُ أربعة قُصورِ أخرى مُشكّلين شكلاً خُماسياً جذّاباً بتصميمٍ مَلكيّ مُذهِل يلفتُ الأَنظار

لكنّها ليستْ هُنا لتكتبَ قصيدة تمتدحُ فيها ذَاك التصميم الهندسيّ البَديع أو تهجو قساوة الشِتاء الدائِم .. احتضنتْ طِفلها أكثر من ذِي قَبل و هي تتقدّم بهدوء لِلداخل و بخطواتٍ ثَقيلة بسبب تراكم الثلجِ الناعِم حَول قَدميها المطموستانِ بِحذاءٍ شتويّ غليظ حيثُ فُتحَ لَها المجال بسهولة كما لو أنها أحد أفرادِ ذَاك القصر المخمليّين

أو ربما كانت كَذلِك بالفِعل، يَوماً ما.

بوّابة القصر الأول الرئيسيّة كَانتْ مَفتوحةَ من أجلِها فتخطّتها لِتقف أمامَ ذَلِك الرجل ذُو الشعر الأسود الكَثيف و الأعين الناعِسة المُميّزة خاصّته عندما فَتح فمهُ بعد دقيقة من الصَمت و تأمّلِ مَنظرِها ليقولَ بهدوء مُخاطِباً الشابّة ذاتَ الشعرِ البُندقيّ أمامه

-" لقد مرّتْ فَترة طَويلة، آبيغال "-

ثمّ حوّل بصره بتلقائِية لذاكَ الجسدِ الضئيل بَين يَداها النَحيلتان، رافِعاً أحد حاجبيهُ و هو يتسائل مع إدراكِه للإجابة مُسبقاً بالفِعل

-" أرى بأنّكِ قد حَضِيتِ بعائلة أُخرى، بشريّة .."-

كانَ لوقعِ كَلِمته الأخيرة أثراً مُختلفاً عن سوابِقها، لقد تعمّد النطق بذلك بنبرةِ حادّة ينوي استفزازها لكنّ كُل ما حَصلَ عليهِ كانَ ابتسامةً مُشرقة بدّدت برود ملامِحِ وجههِ حينَ هَتفت المدعوّة آبيغال بلُطف مؤيدةً حَديثه

-" بَلى، أنا هُنا من أجلِ داريُوس "-
-" إنه بِخير تماماً بدونِكِ .. "-
-" لَيسَ لكَ الحقّ في رَفضِ زِيارتي لابني، لَم أقطع كُلّ هذهِ المَسافة مِن فراغ، إيدولاس. "-

قَالتها بِثقة كَما لو أنّ هالتهُ الصارِمة و الجادّة لا تَعني لها شَيئاً، تحتفظُ بابتسامتِها العَذِبَة التي تكسرُ كبريائهُ حينَ تنهّد هوَ بيأس و سَمَحَ لها بالمرور، لا يُمكنه إنكار حَقيقة أنّه لا يزالُ يشعرُ بالضعف أمامَها، إنها قادِرة على تغييّر رأيه كما لو أنها تستخدمُ سِحراً من نوعٍ ما

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن