الفصل الخامس والستّون.

995 118 202
                                    

| بَـطـلُ أدِيلـمَار |
.
.
.

بأطرافِ أناملهِ شِبه المُرتَجِفة تحسسَّ داريُوس نِصفَ وجههِ الأيسَر ليشعرَ بِلُزوجَة جِلده المُنصَهِر هُناك، أرخَى يدهُ حِينها و أدركَ من خِلال بصره المشوّه أنّه باتَ يُبصر بعينٍ واحِدة فَحسب، فجهتهُ اليُسرى لا تَرى سِوا فَراغاً حالِك
رمشَ بيُمناه ليستوعبَ الأمر أخِيراً
فَبدا مظهرهُ مُثيراً لِلشَفقة و هوَ يَتراجع لِلوَراء بِضعة سانتِيمترات لاشعوريّاً

-" هَل أنتَ خَائفٌ الآن؟ "-

سألَ فلادمِير بلهجةٍ غَلِيظة لم تُخفِ سُخريته المُبطَنة عَبرها، عبّرَ داريُوس عن إجابتهِ بالصَمت المُطبق دونَ ردّ
هوَ يشعر بالألم بِالفَعل، و لَن يُنكِر أنه باتَ خائِفَاً من فِقدانه لعينهِ الأُخرَى أو لِحياتهِ بأكمَلِها .. التَفكير بالموت ليسَ مُخِيفاً بقدرِ مُواجهتهِ مُباشرة.
لكن كلّ ذَلِك لَم يكفِي ليُثنيه عن غايتهِ
ألم وجههِ و عينهِ المَفقودة، لَم يَكُن أسوء شَيء يشعر بهِ حاليّاً

فلادمِير لَم يترك الفَتى يَسبح فِي تخيّلاته و أفكارهِ طَوِيلاً إذ أنّه اِنطلقَ مُسرِعاً لِيلتحمَ بهِ في هجومٍ جَدِيد قاطِعَاً خلوته تِلك
و ذَلِك الأخير و بِطَريقة مُفاجئة تمكّنَ من تفادِي هجوم خَصمهِ رغمَ سوءِ وَضعه، لكنّ إنجازهُ ذاك سرعانَ ما تبخّر حينَ وجده جَسده يُقذف و يَتدحرج ككرةِ بُولينج بَعيداً عن خَصمهِ

-" يَجبُ أن تكونَ مُمتنًّا لِوجودِ هذه الثُلوج، كانَ جسدكَ لِيَتهشّمَ لولاها "-

علّقَ فلادمِير بفُتور و لَم يَنتظر ثانِيَة إضافِية لِيعاودَ الهُجوم من جَدِيد مُستغلاً عَرقلة داريُوس، لكنّه توقّف مُباشرةً قَبل أن يَصطدم بِه عِندما شاهدَ خصمه يبثقُ سيفه الملكيّ و يستدعيه سَرِيعاً لِيَضعه دِرعاً أمامَ وجههِ
و كَعادةِ فلادمِير، ليسَ من مُحبي ترك خصومِه يتلذّذونَ بإنجازِهم الصَغير و الّذي يتمثّل في مُجرد 'تفادِي هجومهِ'

و بصورة سَرِيعة تعاملَ أبيضُ الشعر بِبَراعة مع ذَلِك فتمكّن من تجاوزِ طريقِ نصلِ داريُوس و الإطاحة بِالفَتى الّذي كانَ بالكادِ قَد استعادَ قَلِيلاً من قوّته و توازنه لِلتَو، شعرَ بألمٍ صارِخ و أوشكَ على الاِستسلام و تركِ عَزيمتهِ جانِبَاً

لكنّه لَم يَفعل
لأن ذَلِك الألم لَم يَكُن هوَ الجُزئ الأسوَء.

عِندمَا عاودَ فلادمِير الهجومَ عليهِ مُجدداً، هوَ سارَع بالضغطِ عَلى نفسهِ و رفَع جسده المَرميّ على الأرض لِيَجلسَ مُستنِدًا لِركبتهِ، و فِي ومضةِ عَين و بسرعةٍ خاطِفَة لِلأبصار حرّكَ نصلَ سَيفهِ سَرِيعًا في اللّحظة الّتي كانَ فِيها فلادمِير قَرِيباً منه بِمَا فيه الكِفاية لِيقطعَ عُنقه !
لكنّ ذلكَ الأخير - رغمَ سرعةِ تلويح داريُوس بسيفهِ - لَم يلتهم الطُعم و أمالَ برأسهِ لِليَسار لِيَتجاوز ذَلِك الهجوم في الوقتِ المُناسِب، إلا أنّ عَيناه توسّعتا لَدى إحساسهِ بِوجعٍ لاذِع بعدَ ذَلِك، وضعَ كفّ يده عَلى جانبِ رأسهِ الأيمَن و هوَ يتراجع لِلوَراء باِضطراب فَلَمِحَ قِطعة اللّحم الغضروفيّة تِلكَ بينَ الثلوج مع بُقعة دِمَاء تَحتها و قطراتٍ قُرمزيّة داكِنَة تسيلُ تحتَ كفّ يدهِ
لَقد قُطِعت أُذنه ..

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن