الفصل الثالث والأربعون.

909 106 94
                                    

| اِقتراحُ روسلَان |
.
.
.

لم يَكُن صوتُ قطراتِ المَطرِ و هي تتلاهُف مُسرِعَة لِمُلامسةِ الأرض هوَ ما أيقَظهُ، بل كانَ دغدغتها لِجَسدهِ بصورة جعلتْ استمرار النومِ هُنا غير مُمكِن

ببطئ و خُمول أفرجَ عن لونِ القُرمز في مقلتيهِ الخالِية من العواطِف، ربّما هو مرهق لدرجة أن مجرّد صنع تعبيرٍ ما سيُتعبه، لِذا كانتْ ملامحه بارِدَة و خاوِية جِداً، بالكاد تمكّنَ من رفع يده السَلِيمة و وضَعِهَا حائِلاً بين وجههِ بَل عينيهِ على وجهِ الخصوص و القطراتِ الهابِطَة من السحابِ الكَثيفِ المُتزاحِم في السَماء

المَطر بللَّ جسده بالكامِل، و بسببهِ حصلَ على حمّامٍ مَجانيّ و طبيعيّ أزالَ منه بقع الدماء اللّتي في جسمهِ لكنّها ضلّت عالقة في مَلابِسه

كانَ ما زال يشعرُ بالألم في خصرهِ فأدركَ أن إصابته العَميقة تِلكَ لم تلتئِم و تتجددّ بعد، و يَبدو أنها ستأخذُ وَقتاً أطول مِما اعتقد
بينما الثقبُ في ساعِدِ ذراعه اليمنى بدأ ببطئ ينكمشُ بالحَجمِ مُبشّراً بالزوالِ عن قَريب، لكنّ شَيئاً كهذا لم يَكُن ليرسمَ البهجة على وجههِ

استمرّ على وضعيتهِ تِلكَ و هو مُمددّ على الأرضِ البارِدَة تحته دونَ حَراك لِبضع دقائِق إضافيّة قبل أن يقررّ أخيراً النهوض و العودة إلى أديلمار
و جزئيّة النهوض بحدّ ذاتِهَا كانت مؤلِمَة جِداً عندما شعرَ أن رفعَ جسدهِ سيضغط على إصابة خصرهِ، سِوى أنه تحمّلَ ذَلِك و استمرّ حتّى وقفَ على كِلتا رجليهِ و كفّ ذراعهِ السَلِيمة استقرّ يتكئ على الجِدار لجوارهِ

خلعَ معطفهُ الجلديّ المُمزّق و ربطهُ بقوّة حولَ بطنهِ ليخففّ من حدّة نَزيف جرحهِ و كانَ من الصَعبِ عليه ربطهُ باستخدامِ ذراعٍ واحِدة فاستعانَ بفمهِ ليتمكّن من فعلِ ذلك، و ذكّرَ نفسه أنّ أمامه طَريقٌ طويل جِداً للوصولِ إلى أديلمَار، و يجب عليه ألّا يضعف الآن، فقدَ حصلَ على بعض النومِ على الأقل بعدَ صراعٍ طَويل مع آلامِه

خطا أولَ خطوةِ بعيداً عن الجدارِ، ثمّ تبعتها أخرى، و أخرى .. حتّى وجدَ نفسهُ على حدودِ المَدينة بعد أربعِ ساعات لم يَشعر بِها، لأن عقلهُ كانَ مشغولٌ جِداً بالتفكيرِ في واندا، و كم أن قلبها سَينفطرُ مجدداً عندما لا يعودُ هوَ لِلمنزل، تمنّى لو كانَ بمقدورهِ على الأقل تركُ رِسالةِ لَها بدلاً من جعلها تنتظرهُ ثمّ تهلع لعدم عودتهِ
على الأقل، ليأمُلَ فَقط أن ذَلِك الشابّ لن يؤذِيها .. حَتماً سيُبقيها حيّة لكي يعود هوَ إلى المَدينة مجدداً، إنه يشعر بالعار لأنه لم يتمكّن من إصابته إصابة واحِدة حتّى بينما هوَ و مع نوبةِ عَطشهِ تِلك تمكّن من تمزيقهِ و معاملتهِ كَكيس مُلاكَمة،
كانَ يُفترض به التخلّص منه، لكنّه لا يَستطيع
ليسَ و هو بهذا الضُعف ..

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن