الفصل الثاني والخمسون.

916 117 102
                                    

| تَدخّل |
.
.
.

-" آه .. هَل تظنّ أن أمـ.. ـي سَتُخاصمُني مُجدداً؟ "-

ماكسِيم بقيَ صامِتَاً دون ردّ، ليسَ فقط لكونهِ حصلَ على صدمة شَديدة ألجَمته، بل لأنه و طوالَ حياتِه لم يتوقّع مُعايشة موقفٍ صَعبٍ كَهذا .. ناهيكَ عن أنهُ أسوء شخص في الحَدِيث، هوَ بالكادِ يجد كلماتٍ مُلائمة ليقولها في المواقِف العاديّة فَحسب

و كانَ روسلان قد توقّع تصرّفَ والِده هذا، فهوَ يعرفه حقّ المَعرفة و يُدرك أنه لا يُجيد صنع ردّة فعل مُناسبة لهذه المواقِف
ارتجفَ جسدهُ قَليلاً عندما راحَ يمسحُ الدِماء النازِفَة عبرَ فمه، ثمّ استقرّت يُمناه تقبض على صدرهِ و تعصره بقوّة و هوَ يُطأطأ رأسه لِلأسفل

-" سيلومُ لُو نَفسه .. من فَـ.. ـضلكَ أبي، لا تتركهُ يَفعل ذَلِك "-

انخفضتْ نبرةُ صوتهِ بَعدها لأخرى خافِتَة و توقّف رجفان جسدهِ عندما استرسل

-" إنهُ لَيس خَطأه .. "-

ماكسِيم تحرّك أخيراً بسرعة ليُمسكَ بِروسلان عندما مالَ جسده و فَقد توازنه فأسندَ جسده إليهِ، كانَ بمقدورهِ رؤية الدِماء اللّتي نَزفت عبر أنفهِ أيضاً مُعلنةً فَساد دِمائه بأكملِها، خصوصاً في اللّحظة اللّتي سعلَ بِها دِماءاً داكِنة تُوشِك أن تحملَ لوناً أسودَ قاتِم .. فأدركَ ماكسِيم أنها مُجرد دَقيقة

دَقيقة واحِدَة، هيَ كُلّ ما يملكهُ مع ابنه.

-" أبِي .. عِندما كُنـ. ـا صِغاراً .. لُو كانَ يشتكِي كَثيراً مِن انـ.. ـشغالِكَ الدائِم، لِذا امنحهُ بَعضاً مِن وقـ.. ـتكَ الآن، فهوَ يُحب الثَرثرة .. "-

ثمّ رفعَ رأسه ليُقابلَ والِده و حملَتْ ملامحُ وجههِ الذابِلَة آنذاك ابتسامة عَريضة صفراء كانتْ لِتَبدو مَرِحة و مُشرِقة لولا حالهِ الحَرِج المُنذِر بالرحيل، ماكسِيم نَظر إليه مع عيونٍ مُضطربة بشدّة و تنفّس غير مُنتظم كمن أرادَ إيقافَ الزمن عندَ هذهِ اللّحظة .. لأنه ليسَ مُستعداً لِلتالِي
و لَن يكونَ مُستعداً لهُ مُطلقاً.

-" روسلَـ.. "-
-" أبِي.. "-

أرادَ قولَ المزيد .. رغِبَ بالحديثِ أكثر و إخبارِ والِده كمّ أنه فخورٌ بهِ و سعيد بتعليمهِ مهاراتِه الخاصّة في السيف، لَقد أثمرتْ جهوده و أصبحَ مُحترِفاً، و لَولا سوءِ الحظّ لكانَ جعله يفتخر بهِ هوَ الآخر برؤيتهِ يُقاتل بِبَسالة على أرضِ المَعركة .. لَقد أراد أن يتركَ كلماتٍ أخيرة لِلُوسيوس و إخباره عن مَدى حبّه له، و أنه رغم كلّ ما حَدث هوَ سعيدٌ لكونهِ أخاه الصغير الوحِيد، تمنّى لو يكبرانِ مَعاً، تُرى هل سيبقى مظهرهُمَا الخارجي مُتشابه إلى هذا الحدّ أم أن العمر سيرسم لِكليهما ملامِحَ خاصّة عِندما يُصبحان بالِغان بما فِيهِ الكِفاية ليتوقّف الناس الجُدد عن اِعتقاد أنّهما توأمَان .. أرادَ إهداء والِدته مزيداً من أزهارِها المُفضلة كلّ يوم و مِلْء غرفتها بِهَا و تَقبيل ظهرِ يَدها كلّ صباح لِإخبارها كَم أنه كانَ محظوظاً لِكونه وُلِدَ ابناً لامرأة بقوّتها و جَمالِها

دِماءٌ مُتجمّدة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن