٦٨)【مَفَاتِيحُ الغَيبِ】

131 13 0
                                    

{ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ و َيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير }

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذه الخمس هي مفاتح الغيب كما فسرها النبي ﷺ {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} فمفاتيح الغيب عند الله و أمكنة الغيب أيضًا عند الله عز وجل ".

من فوائد الآية:

{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}
أنه لا أحد يعلم متى تكون الساعة و هي الساعة الكبرى التي يموت فيها الناس ثم يبعثون.

و الساعة نوعان:
١- ساعة عامة لجميع الخلق و هي القيامة الكبرى.
٢- ساعة خاصة لكل إنسان بنفسه و هي القيامة الصغرى.

و لهذا يقال:
"من مات فقد قامت قيامته"
أي: انتهى من الدنيا ، إذًا الساعة هي المفتاح لأي شيء؟ الجواب: لعالم الآخرة.

{عِلْمُ السَّاعَةِ}
خاص بالله حتى أشرف الخلق و أعلم الخلق بالله لا يدري متى تقوم و لهذا سُئل النبي ﷺ والسائل جبريل: متى الساعة؟ فقال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" لكن لها أشراط وعلامات منها ما قد جاء و منها ما هو مستقبل.

{و َيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}
الغيث هو المطر الذي تزول به الشدة و أما المطر إذا لم تَزُل به الشدة فليس بغيث لقول النبي ﷺ: "ليست السَّنَة أن لا تُمطَروا و لكن السَّنَة أن تمطروا فلا تنبت الأرض شيئًا"
(السَّنَة): يعني الجدب فالذي ينزل الغيث هو الله و كذلك المطر الذي لا تزول به الشدة لا ينزله إلا الله

فإن قال قائل: "ألسنا نسمع في الإذاعات أنهم يقولون سيكون مطر غدًا أو ما أشبه ذلك ؟" الجواب:

أولًا: أن الله تعالى قال: {وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ}، فالغيث هو المطر الذي يكون به النبات و هذا لا يعلمه أحد ، حتى لو علمنا أنه سينزل مطر غدًا فهل هذا المطر يكون غيثا؟ قد يكون و قد لا يكون

ثانيًا: هؤلاء الذين يتكلمون عن الطقس و أنه سيكون غدًا مطر في مكان ما إنما يتكلمون عن أمر محسوس لا عن أمر غيبي لأن هناك آلات دقيقة يعرف بها أن الجو مهيأ لنزول المطر أو غير مهيأ و الخطأ في هذا كثير

ثالثًا: أن هؤلاء الذين يتكلمون عن الطقس فهل هم يعلمون متى ينزل المطر بعد سنتين أو ثلاث؟ لا ، هو علم محصور في أربع وعشرين ساعة أو ست و ثلاثين ساعة أو ما أشبه ذلك فليس للزمن البعيد فلا ينافي هذه الآية.

من فوائد الآية الكريمة:
{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}
جمع رحم و هو وعاء الجنين في بطن أمه و الأرحام هنا شاملة لكل ذات رحم من الآدميين و غير الآدميين و أنه لا يعلم ما في الأرحام إلا الله و هذا عام في جميع متعلقات الحمل

فإن قال قائل:
"إنهم اليوم يطلعون على أن ما في الرحم ذكر أم أنثى فهل ينافي الآية؟"
الجواب:
لا ينافيها لأن قوله:
{وَ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}
يشمل جميع المتعلقات و هؤلاء لا يعلمون ما في الأرحام أذكر أم أنثى إلا بعد أن يُخلَّق و يكون ذكرًا أو يكون أنثى، أما في حاله نطفة فإنهم لا يعلمون و إذا قُدِّر أن الطب ترقى و صاروا يعلمون أنه ذكر أو أنثى و هو نُطفة قلنا متعلقات الحمل ليس بكونه ذكرًا أو أنثى فقط بل يشمل عمله و أجله و رزقه و هذا لا يمكن العلم به.

من فوائد هذه الآية الكريمة:
من ادعى علم الغيب في المستقبل فإنه كافر و وجه الدلالة: أنه تكذيب لقوله:
{وَ مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}
فإذا كنت لا تدري ماذا تكسب أنت ، فعدم علمك بما يكسبه غيرك من باب أولى فمن ادعى علم الغيب في المستقبل سواء فيما يتعلق بفعل الله أو بفعل الناس أو بفعل نفسه فإنه يكون مكذِّبا لهذه الآية و تكذيب القرآن كفرٌ صراح.

فالإنسان و إن قدَّر أنه سيفعل كذا فإنه لا يعلم هل يحصل هذا أم لا يحصل و لهذا قال الله لنبيه:
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ}

من فوائد هذه الآية الكريمة:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}
(نَفْسٌ): نكرة فتَعُمّ كل نفس لا تدري أين تموت هل تموت في بلدك أم في بلد مجاور أم في بلد بعيد أم في البحر أم في الجو و الإنسان لا يعلم مكان موته و كذلك لا يعلم زمان موته و هذا ممّا انفرد الله تعالى بعلمه.

{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
و لما خصص هذه الأشياء عمم علمه بجميع الأشياء فقال:
{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
محيط بالظواهر والبواطن والخفايا والخبايا و من حكمته التامة أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك.

【إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.❀】حيث تعيش القصص. اكتشف الآن