سُئِل الجاحظ عن صفات الإنسان العاقل ؟
فقال : هو الذي يعلم متى يتكلم و كيف يتكلم و مع من يتكلم .قال سبحانه : ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾
قال ابن القيم : لم يقل إنك جاهل لا علم عندك بل عدل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة تدل على نفس هذا المعنى .
و المقصود هنا أن الانسان عليه حُسن اختيار الألفاظ التي تؤدي نفس المعنى المُراد .
و لولا الإطالة لذكرنا أمثلة من القرآن و السُنة لذلكفي كليات اللغات والترجمة يتعلم الطلبة بعض المَهارات التي لابد أن تتواجد في المُترجم مثل مهارة الـ "word choice" و هي إنك تختار الكلمة المناسبة للسياق الذي تتكلم فيه و الحقيقة أن هذه مهارة لا يحتاجها المترجمون فقط بل هي مهارة إجتماعية عظيمة تحتاجها مجتمعاتنا.
في كتير من الأحيان نقول :
يا ليتنا قلنا كذا ، أو يا ليتنا لم نقل كذا..ربما مترادفات لفظية معينة تحمل نفس المعنى و لكن تختلف في الاستعمال.
مثلا الفارق ما بين استخدام لفظ "معلش"بما يحمله من برود و ذلك عندما نخطأ ، و بين قول "أنا اسف جدًا" و هي تحمل نفس المعنى و لكن ربما يفرق جدًا عند المتلقي و يقلب دفّة الموقف ..
العلماء يقولون :
"الألفاظ قوالِبُ المعاني"
يعني لو اعتبرنا أن معنا كمية من الماء هي المعنى لو وضعتهم في زجاجة أنيقة اذًا المعنى أصبح أنيقًا جدًا ..و لو وضعتهم في زجاجة متسخة سيخرج شكل المعنى سيئًا جدًامُراعاة السياق من أروع المهارات التي لا بد لكل انسان ناضج أن يكتسبها فالعاقل "يعرف مواضع الكلام كما يعرف مخارِجَهُ" يعني العاقل لا يعرف فقط ماذا يقول بل لابد أن يحدد "الزَمَكان" يعني يقول هذا الكلام متى و كيف و اين
الكلمه لها قدرة فائقة على الجَبر و الكَسر لها مفعول السحر في إننا نتقدم خطوة للأمام أو نتأخر أميال عن الركب ، بكَلمة تستطيع أن تُلهم شخص متعثر و بكلمة أيضاً تستطيع أن تٌثبط شخص متحفز .
الإيمان كلمة و الكُفر كلمة الزواج كلمة و الطلاق كلمة ..الكلمة الطيبة لن تُنسى و الكلمة السيئة كذلك لن تُنسى كلتاهما لها وقع على النفس و شتان بين الوقعين كلمة جبرت كسيراً و كلمة كسرت سليماً
للجسد ذاكرةٌ تتوازي مع ذاكرة الدماغ فالجسدُ جغرافيا و الذاكرة تاريخ و لا يجوز فصلُ الجغرافيا عن التاريخ كما أنه لا يجوز فصل المعاني عن الألفاظ
على كل سنتيمتر من جسدك توجدُ ندبةٌ خفيَّةٌ شَكَّلت جزءًا ما من شخصيتك فذلك الصوت العميق الذي يهامسك أنك غير الآخرين هو حَدسٌ لتعليق قديم من أحد الزملاء أن طريقة ملابسك غير لائقة
و ذلك التلعثم الغير مبرر في كلامك هو صدىً لسخرية الآخرين من طريقة نطقك
و ذلك الشعور بالنقص الذي يصاحبك صَدَّرَهُ لك مديرك بكلمة حينما قارنك بزميلك الذي توفرت له فُرص النجاحإن أحدنا لم يُولد مشوهًا نفسيًا ، الأمر أشبه بأن تأتي ب"hard disk" فارغ ثم تنقل إليه بعض الكلمات و المعاني لتصير جزءًا من شخصيتك فينتقل من وصفه الجوهري المجرد : "انسان" إلى وصف طارئ مُكتَسَب :"انسان مُعقد"
لكن العجيب أن يبدأ الجميع في أن يشير إليك بأصابع الإتهام و يحملك أعباء ما زرعوه فيك من آثار كلماتهم
كم هو شاقٌّ على النفس أن يتحول الضحية بين عشية و ضحاها إلى الجاني؛ يجمع بين ألمين: ألم ما وقع عليه و ألمُ ما يُنسب إليه و يعاني من ظُلمين : ظلم الماضي ومُحاكمة الحاضر
و لأن الله يعلم مدى تأثير الكلمة و وقعها إيجابًا أو سلبًا أوصانا سبحانه
{و قل لعبادي يقولوا التي هِي أحسن إن الشيطانَ ينزغُ بينهم}{ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ }
أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم و دنياهم ، و دواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال الغير الحسنة التي يدعوهم إليها و أن يلينوا فيما بينهم{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنا}
اجعل هذه الآية نموذجًا و منهجًا في اختيار ألفاظك
﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾
أنت تقرأ
【إِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.❀】
Spiritual- قُلْتُ لِشَجَرَةِ اللَّوْزِ حَدِّثِينِي عَنْ اللهِ؛ - فَأَثْمَرْتَ. !!