الفصل التاسع عشر

8.1K 218 11
                                    

ها أنا أخيرًا أغمض عينيّ لأصحو على أطلال الذكريات المسكونة بالألم.

"غادة السمان"

**************************

أغلق فهد الهاتف بعد أن أنهى مكالمته مع عماد الذي أيقظه فزعاً يتوسله أن يطمئن عليها بعد أن قطعت الاتصال فجأة وهي تبكي... قبض على الهاتف بقوة مغمضاً عينيه بمرارة... هل أخطأ عندما أخبرها الحقيقة؟... هل كان عليه أن ينتظر قليلاً حتى تتضح الأمور، أم يخفيها ويستسلم لأنانية قلبه فينتزعها من الجميع ويضمها إليه لتنتمي له وحده دون أن تعرف أنها تحيا مع ابن الرجل الذي تسبب في يتمها؟... لا... لن يلوث حبه لها بالأنانية... هو يحبها لدرجة أن يتعذب دونها... عاجلاً أو آجلاً ستعرف... الأسرار لا تبقى أسراراً للأبد... هذا ديدن الحياة... ما نظنه سيبقى مدفوناً للأبد يأتي يومٌ فيخرجه القدرُ للعلن... ما سيكون موقفه أمامها عندما يأتي ذلك اليوم؟... هل سيحتمل أن تكرهه؟... أن يخسرها بعد أن يذوق نعيم قربها؟... يفضل أن يخسرها الآن ويتعذب على أن يعيش جحيماً مضاعفاً بعد ذلك... عماد أيضاً مخطئ في حساباته... إن سمح لأنانيته أن تخفي عنها الحقيقة ليستأثر بها، لن تسامحه عندما تعرف أنّه كوالده حرمها متعمدًا دفء عائلتها الحقيقية... يجب أن يقنعه بتغيير قراره... لا يعرف لماذا يصر على عناده بعد كل ما عرفه... أحياناً لا يفهم ما يدور بعقله ولا ما يخطط له... دائماً له حساباته المعقدة، وكثيراً ما يفضل الاحتفاظ ببعض المعلومات لنفسه، لكنّ الوضع الآن لا يحتمل غموضه.

أطرق واضعاً رأسه بين كفيه... رباه... كم كانت همسة صادقة... لقد تلاعبت بهم عمته كعرائس ماريونت... كل تلك الأكاذيب التي ملأت بها رؤوسهم... انقلبت لعبتهم عليهم واتضح أنهم كانوا مجرد أحجار شطرنج تحركها عمته لتحصل على انتقامها... بسببها علقوا في دائرة انتقام لعينة وكان أول ما خسروه أنفسهم... لن يسامح عماد نفسه أبدًا عندما يتأكد من الحقيقة... اقشعر بدنه وهو يتذكر فاروق رضوان... من يتحمل وزر ما أصابه؟... أليسوا هم؟... أليس سامر من اعتدى على رهف وتسبب في حادثها؟... من غيرهم يتحمل الذنب؟... هل ستسامحهم همسة عندما تعرف ما فعلوه بعمها وابنته؟... عندما تعرف أنهم السبب في كل تلك المصائب التي حلت على عائلتها؟

رفع كفيه ينظر لهما ترتجفان... حتى لو كانوا ضحية خدعة لعينة؟... هل سيبرر لهم هذا ما فعلوه بأناس أبرياء؟... بأي وجه سينظر لنفسه في المرآة؟... سالت دموعه فوق كفيه... يالله... ما المخرج من هذا الجنون؟... كيف فعلت عمته هذا بهم؟... كيف دمرتهم وكيف سمحوا لها؟... لم يعد يحتمل... ما عاد يستطيع التعامل معها بطريقة عادية بينما يحمل لها ولوالده كل هذه المرارة والكراهية.

عاد لمواجهته مع والده قبل أيام... كان يحاول التحلي بالحكمة والصبر لكنّه لم يحتمل... كلّف أحدهم باختراق اتصالاتها وحاسوبها وكلّف آخراً بمراقبتها ليعرف تحركاتها وما عرفه من معلومات كان كافيا... استغل غيابها عن المنزل وتوجه إلى جناح والده لتقابله نظرات الممرضة الحائرة فهي تعرف أنّه نادراً ما يزوره... أمرها بالخروج وانتظر حتى غادرت ليقترب من والده الذي نظر له بعينيه الصامتتين وران الصمت بينهما وهو يتأمله وقلبه يزداد انقباضاً بمرارة يبحث عن الكلمات التي خانته فجأة... هناك الكثير... الكثير جدًا الذي يريد قوله له وسؤاله عنه... مرارة سنوات طويلة في الماضي... جرائم لم يعرف أنّه امتلك القدرة على ارتكابها رغم أنّه تعرض لقسوته مسبقا... اقترب منه حتى فصلت بينهما خطوة صغيرة وجلس أرضاً ينظر له بألم ارتسم جلياً في عينيه وهو يرفع يديه يضعهما على كفيه الساكنين وهمس بعد لحظات

سديمُ عشق "ثلجٌ ونار"(الجزء الثاني من سلسلة حكايات الحب والقدر)  (قيد المراجعة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن