الخاتمة (الجزء الأول)

10.3K 262 26
                                    


"إن الحياة هبة، ومن الممكن أن نجعل من كل دقيقة منها عصراً طويلاً من السعادة، الآن حياتي ستتغير. الآن سأولد من جديد."

فيودور دوستويفسكي

*****************

التقط عماد هاتفه وهو يقطع الردهة المؤدية لغرفة والدته وابتسم عندما رأى اسم المتصل، وأسرع مجيبًا بحب

"حبيبتي... ما الأمر؟... هل اشتقتِ لزوجكِ الحبيب سريعاً هكذا؟"

وصلته ضحكتها رقيقة لتمسح كعادتها على قلبه وهي ترد

"أنا أشتاق لك وأنت معي حبيبي"

خفض صوته ليهمس بعاطفة

"ماذا تفعلين سؤددي؟... هل تريدين جعلي أترك كل شيء أمامي اليوم وأعود في الحال؟"

عادت ضحكتها ترن في أذنيه لتتسع ابتسامته وهي تقول

"لا تتأخر إذن حبيبي... سأكون في بيتنا الصغير"

رقت عيناه وصمت قليلاً حين وقف عند باب الغرفة ليهمس

"سأعد الدقائق حتى أعود لكِ يا عمري"

همست بحب

"وأنا أيضاً حبيبي"

ودعها بكلمات رقيقة قبل أن يغلق الهاتف ويرفع عينيه للباب وتنهد بعمق وهو يفتحه ليدلف وقلبه يعود للانقباض بألم كعادته في كل مرة يزورها فيها رغم مرور كل هذه الأشهر لكن تبقى نفس المرارة في حلقه لا يستطيع السيطرة عليها... جاهد ليرسم ابتسامة على شفتيه وهو يقترب من مكانها المعتاد بجوار النافذة

"صباح الخير أمي... كيف حالكِ اليوم؟"

لم يبد أنّها سمعته ولا شعرت بوجوده... ظلت نظراتها الشاردة مثبتة خارج النافذة تتطلع إلى لا شيء... قاوم غصته بصعوبة واقترب ليجلس على ركبتيه أمامها ورفع رأسه لها يتأمل بنظرات غائمة ملامح وجهها الهادئة بشحوب دون زينتها المعتادة والغضب الذي كان يرافقها أغلب الوقت مرافقاً بالتحسر على حالها طيلة السنوات الماضية... شعرها نائم بسكون على كتفيها وعيناها ضائعتان في البعيد... مد يدًا مرتجفة يمسح على شعرها برفق ثم وضع يده على كفها هامساً بحنان

"كيف حالكِ أمي؟... اشتقت لكِ"

لم تحرك ساكناً فعاد يتنهد ويده تضغط على يدها بأسى لكنّه قاوم ألمه ليواصل بابتسامة مرتجفة

"ألا تشعرين بالملل أمي؟... لماذا لا تخرجين معي للحديقة قليلاً؟"

وادعى النظر للخارج متابعاً

"الهواء لطيف ومنعش بالخارج، سيشعركِ بالراحة كثيراً"

ظلت عيناها على حالهما دون أن تطرف رموشهما حتى ، فأطرق يائساً وهو يقاوم دموعه واكتفى بضم كها الذي لم تسحبه كأنّها لا تشعر بلمسته وأغمض عينيه يغرق في ذكرياته... ليته يستطيع أن يخبرها أن كل شيء سيكون بخير وأنّها ستغادر المكان لكنّ كل شهر مر عليها طيلة الأشهر الخمسة التي مرت على وفاة شقيقه ودخولها للمصحة لم تبد ردة فعل تشير لتحسن قريب... لا يعرف إن كانت تعاقب نفسها على ما أصاب سامر أم أنّها في حالة إنكار وقد عزلت نفسها وعقلها لجأ لحيلة دفاعية ليحميها من الألم والصدمة التي تعرضت لها في تلك اللحظات... من وقتها وهي على هذه الحال وكل يوم يمر يفلت الأمل من بين أصابعه يخبره أنّها لا تنوي العودة من العالم الذي عزلت نفسها فيه... أحياناً يشعر بالراحة لأجلها فهي بعيدة عن الألم الذي يعرف أنّه كان سيقتلها... بعيدة عن الغضب الذي كان سيصيبها بمزيد من الجنون إن هي عرفت ما حدث بعد موت شقيقه ودخولها للمصحة... ارتجف قلبه وهو يتذكر ذلك اليوم الذي دعاه فيه رفعت هاشمي ليخبره بقراره... ما زال يذكر وجهه الحكيم وعينيه الحانيتين وهو يخبره أنّه قرر لصالح عائلته الكبيرة أن يتدخل فقد حان الوقت ليصلح ما انقطع وما أفسده الماضي وأنّ واجبه ككبير للعائلة، يقتضي أن يجمعهم ليفكروا في حل للوضع الصعب الذي يمرون به ربما استطاع إزالة ذلك الحاجز المستحيل... أخبره يومها أنّه كان مترددًا في طلب هذا منه وما زال يتذكر كلماتهما وهو يقول بأسف

سديمُ عشق "ثلجٌ ونار"(الجزء الثاني من سلسلة حكايات الحب والقدر)  (قيد المراجعة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن