الفصل السابع عشر

7.7K 222 39
                                    


أي هرب ما دامت الأشياء تسكننا، وما دمنا حين نرحل هربًا منها نجد أنفسنا وحيدين معها وجهًا لوجه.

"غادة السمان"

**********

خطت بجوار هشام الذي كان يختلس النظر لها بقلق وشفقة بينما ترتجف داخلها وتتوسل بعض القوة لتثبت. أحاط خصرها بذراعه يمنحها دعمه كأنما أدرك أن ساقيها ستخونانها في أي لحظة

"لينا، أنتِ بخير؟"

أومأت وهي تتنفس بصعوبة فتابع بأسى

"إن كان الأمر صعبًا عليكِ فلا تجبري نفسكِ، أنتِ متعبة ولا أظن أنّ"

قاطعته وهي تقبض على كفه فشعر ببرودتها وارتجافها

"لا يا هشام، أنا بخير. يجب أن أفعل هذا، لا تقلق سأكون بخير"

هز رأسه مرغمًا وقادها مستشعرًا رجفتها تزداد مع كل خطوة، حتى وصلا إلى حيث يرقد والده الراحل وعمه وزوجته و... ابنتها الرضيعة.

أغمض عينيه، لا يريد تذكر تلك اللحظات الصعبة ولا كيف شعر وهو يحمل ملاكها الصغير ويودعها هنا بينما هي ترقد بالمشفى ذاهلة العقل بعد خسارتها لرضيعتها قبل أن تشبع منها، ووالده الذي يتمزق ألمًا على ابنته الثكلى الرافضة لوجوده وقربه منها. شعر بقبضتها المرتجفة تشتد على كفه وقبل أن يواسيها بأي كلمة خذلتها ساقاها وترنحت لتسقط على ركبتيها أمام القبر فأسرع يركع جوارها هاتفًا اسمها بجزع.

انزاحت غشاوة سوداء عن عينيها، وفي لحظة واحدة استعادت كل اللحظات المريرة التي دفنتها بالقوة وادّعت أنها لم تحدث. أجبرت عقلها أن ينسى أن جزءًا منها أتى للعالم ورحل عنه سريعًا، جزءًا منها ومن حبيبها يرقد تحت التراب. تناست لأن المقابل كان أن تفقد عقلها بعد خسارتها لها.

الآن تستوعب وتجبر نفسها على رؤية الحقيقة بكل وضوحها وقسوتها، الآن تزور صغيرتها للمرة الأولى منذ فقدتها. شهقت وهي تدير وجهها لتدفنه في صدر أخيها تبكي بحرقة فضمها بوجع

"لا بأس، ابكي. ستكونين بخير"

انقبضت أصابعها على قميصه وهي تفرغ مرارة ذكرياتها بينما يمسح على شعرها وعيناه معلقتان بقبر والده مرددًا بغصة مؤلمة

"هي في مكانٍ أفضل، لا تفكري سوى في هذا"

شهقت باكية بعذاب

"أنا السبب يا هشام، أنا سبب موتها. أنا السبب في كل شيء"

"لا تقولي هذا يا حبيبتي، إنه القدر. استغفري الله، لا ذنب لكِ أبدًا، كانت ستتعذب كثيرًا وهذا كان أرحم لها"

أحس قلبها سينفلق من شدة البكاء بينما تنادي صغيرتها تتوسلها مسامحتها، وظل هو يحتويها بوجع مضاعف حتى بدأت تهدأ فأبعدها ينظر لوجهها ومسح دموعها برفق

سديمُ عشق "ثلجٌ ونار"(الجزء الثاني من سلسلة حكايات الحب والقدر)  (قيد المراجعة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن