الفصل الثاني

10.8K 269 13
                                    

أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ

أنتِ امرأة... صُنعت من فاكهة الشِعرِ

ومن ذهبِ الأحلامْ

أنتِ امرأة... كانت تسكن جسدي

قبل ملايين الأعوامْ

***

أنتِ امرأةٌ لا تتكرَّر... في تاريخ الوَرد...

وفي تاريخِ الشعْرِ

وفي ذاكرةَ الزنبق والريحانْ

«نزار قباني»

******************

أوقفت سؤدد السيارة أمام المشفى وغادرتها مغلقة بابها بعنف، تقدمت بخطوات سريعة نحو المدخل وزفرت بنفاذ صبر حين لحقها، وتشنج جسدها من جديد وهي تشعر بجسده يجاورها بينما عيناه تمسحان المكان باحترافية. حسنًا، إن تغاضت عن كراهيتها له فهو يجيد عمله ولا يقصر في حمايتها، لكن بحق الله هذا لن يجعلها تتخلى عن رغبتها في التخلص منه رحمةً بعقلها وإلا ستفقده خلال وقتٍ قصير إن استمر في وجوده قربها. جدها ليس عادلًا أبدًا معها، يعرف أن حادث اختطافها سبب لها تجربة نفسية مريرة لا تزال تعاني آثارها حتى اليوم. يمكنها التعامل مع الرجال من بعيد، لكن إن اقترب أحدهم منها بطريقة غير بريئة أو لامسها عرضًا فإن ذكرياتها السوداء كلها تتحرر من سجن عقلها، ولولا علاجها النفسي لفقدت أعصابها وانهارت في كل مرة يقترب منها رجل.

شردت عيناها وهي تتذكر ما ظنته حلمًا حين قابلت ذلك الذي ادعى أنه عماد، سرت فيها رجفة مع مرور اسمه بعقلها. لم تتذكر بالبداية لكنّ حلمها تكرر وعقلها يُصر على أنّه لم يكن حلمًا. كان هناك حقًا، حين انهارت وفقدت وعيها. عماد كان هناك وأنقذها. هل كانت تحلم أم أنه كان يحتضنها بالفعل؟ هو من فك شعرها تلك الليلة وهدهدها واعدًا بالأمان وأنه لن يتركها أبدًا. يا الله، إنها توشك على الجنون لمجرد تخيل الأمر. رحمةً بعقلها فليكن وهمًا خرج من أعماق ذكرياتها نتيجة لرؤيتها لذلك المدعي بالحفل، ذلك الذي يملك نفس عينيه، لكنّ ذلك الحلم لا يريد أن يرحل، يطاردها كل ليلة ليمتزج بكوابيس ماضيها. شعرت بصعوبة في تنفسها وهي تفكر، لماذا عادت كوابيسها من جديد؟ هي في غنى عن تشتتها هذه الفترة، هي على موعد مع معركة مع رجل يمثل كل ما كرهته طيلة عمرها وكل ما أقسمت على حربه. هي لن تضعف، ولا... هي لا تحتاج لرجلٍ لحمايتها، هي قادرة على حماية نفسها ولن تعتمد أبدًا على رجل ولو كان الثمن حياتها و...

شهقت وقدمها تتعثر بأول درجات السُلم التي لم تنتبه لها مع شرودها، أدركت أنّها سترتطم بالأرض لا محالة، لكنّ جسدها توقف فجأة وذراع قوية أحاطت خصرها لتجد نفسها بلحظة تستند إليه. اتسعت عيناها وتسارعت أنفاسها وهي تنظر إليه من هذا القرب ولمحت تقطيبة ترتسم على جبينه. خُيل إليها أن نبضات قلبها الصاخبة تتردد بدوي مسموع يمكنه سماعه فشهقت داخلها مدركة كم هي قريبة منه ليس لدرجة أن يسمع نبضها فحسب بل ليشعر به أيضًا. بانتفاضة تحت أصابعها لتخفض عينيها وتدرك برعب أن كفها يلامس موضع نبضه وأن قلبه هو الآخر ينافس قلبها نبضًا. أشاحت عينيها لتجد يدها الأخرى تتشبث بذراعه الأسمر، وشعرت بانقباض عضلات ذراعه تحت أصابعها المرتجفة. ماذا تفعل؟ ما الذي يحدث معها؟ شعور آخر ضربها بعنف وعقلها يستوعب حقيقة ما يحدث فرفعت عينيها الفزعتين نحوه وسمعته يسألها بصوتٍ متحشرج

سديمُ عشق "ثلجٌ ونار"(الجزء الثاني من سلسلة حكايات الحب والقدر)  (قيد المراجعة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن