الفصل الحادي والأربعون

8.7K 255 30
                                    


آهٍ على قلبٍ هواهُ محكم

فاض الجوى منه فظلماً يكتم

ويحي أنا بحتُ لها بسره

أشكو لهـا قلبًا بنارها مغرم

ولمحتُ من عينيها ناري وحرقتي

قالت على قلبي هواها محرمُ

كانت حياتي فلمـا بانت بنأيها

صار الردى آهٍ علي أرحـمُ.

****************

نفث منذر دخان سيجاره بينما يقف في الشرفة، وتعلقت عيناه لثوان بالدخان الذي تبعثر ثم ذوى .. لماذا لا تتبخر همومه كهذا الدخان؟... لكم من الوقت عليه الانتظار حتى يشفي غليله ويرتاح؟... حتى متى عليه مواصلة السير فوق ذلك الحبل الرفيع المعلق فوق النيران؟... أخذ نفساً عميقاً من سيجاره لينفثه بقوة أكبر... ليس هذا هو السؤال... السؤال الحقيقي هو... لماذا بدأ يشعر بالاختناق ونفاذ الصبر؟... لم يكن ليعبًا لو انتظر ضعف السنين التي انتظرها ليحصل على ثأره... لماذا الآن بات يشعر بالرغبة في الانتهاء سريعاً من كل هذا؟... لماذا سنوات العمر التي يخسرها باتت فجأة ذات أهمية؟... لماذا بات مهتماً أنّه لم يعش حياة حقيقية ولم يستمتع بحياته لحظة منذ رحلت أمه؟

أغمض عينيه متنفساً بعمق ونسيم الهواء الذي هب على الشرفة جعل خيالها يرتسم في مخيلته ومجددًا عاد ذلك الشعور الغريب يعبث بنبضاته... منذ بدأ خيالها يطارده تجذر ذلك الشعور بالخواء وبدأت تلك الأفكار تتنازعه وقلبه الذي كان يظنه أجوفاً انتفض فجأة مطالبًا بحقه في الحياة... يخبره أن تلك الأنفاس التي تتحرك داخله لا معنى لها وأنّه في الحقيقة... ميت... ميتٌ بدأت بذرة الحياة تتململ داخله وتصرخ رغبةً في البعث، وانبعث معها ذلك الجوع المخيف داخله... جوعٌ نحو شيءٍ مجهول يكاد يمد يديه ويلمسه فلا يستطيع... لسنوات تجاهل ذلك الشعور لكن الآن... أصبح يشعر به ينخر كالسوس في أعماقه... تنتابه تلك الحاجة المرعبة لما يملأ ذلك الفراغ الموحش داخله.

انتزع نفسه بقوة من أفكاره وفتح عينيه يتطلع أمامه بقسوة هاتفاً في نفسه .. هو لا يستحق... الشياطين أمثاله لا حق لهم في النعيم... لا يغفر لهم ولا ينالون فرصة من القدر ليعيشوا الحياة التي يعيشها الآخرون... لماذا يضعف الآن؟... لماذا يسمح لتلك الأفكار بتعذيبه وتشتيته وهو على مقربة من هدفه؟... ألقى السيجار أرضاً ودهسه بعنف بينما يكز على أسنانه بوحشية لمعت في عينيه وهو يسترجع حديثه مع أبيه الليلة الماضية بعد أن وصل إلى قصره الريفي وانتظره لساعات حتى وصل، ولسوء حظه كان يرافقه ريكاردو الذي لمعت عيناه بعبث وهو يلقي إليه بنظرة يذكره بها بحديثهما الأخير... مارس ضغطاً قوياً على نفسه ليحتمل تلك الدقائق برفقتهما على مائدة العشاء بينما ريكاردو يلقي بتلميحاته العابثة دون أن يعبأ بالنظرة الباردة التي رماه بها والتي ردها بابتسامة مستفزة وهو يرفع كأسه في الهواء متمتماً

سديمُ عشق "ثلجٌ ونار"(الجزء الثاني من سلسلة حكايات الحب والقدر)  (قيد المراجعة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن