سمعت هزان طرقات ملحة على الباب..تثاقلت لكي تنهض و تفتح..كان تعرف جيدا هوية الطارق..لذلك تمنت أن يختفي أو أن يذهب..قبل أن تسمع منه الموشح المعتاد..فتحت و هي تجبر نفسها على الإبتسام..رجل خمسيني أصلع..يبدو الغضب جليا على ملامح وجهه..نظر إليها بإحتقار و قال بنبرة حادة " آنسة هزان..لقد مر كثير من الوقت منذ أن وعدتني بتسديد الإيجار..و أنا صدقتك كالأحمق..لم تدفعي ليرة واحدة منذ ثلاث أشهر..لقد أصبح الأمر لا يطاق..يومان فقط..آخر مهلة للدفع أعطيها لك..و بعدها..ستجدين أغراضك أمام الباب..هل فهمتي؟" هزت هزان رأسها دون أن تنطق بكلمة واحدة..تعلم أنه على حق..و لا ذنب له فيما يحدث معها..تجد نفسها في وضع مزري لا تحسد عليه..تسكن شقة مهترأة و مقرفة..في حي متواضع..و مع ذلك تعجز عن تسديد الإيجار..من يصدق أن هذه الفتاة البائسة هي إبنة رجل الأعمال الشهير أمين شامكران..ذلك الذي يملك كروم العنب و مصانع النبيذ المعروفة..لو لم تتخلى عن لقب عائلتها منذ خمس سنوات..منذ أن طردها والدها من قصره..لعرف الناس قصتها..و لأزعجوها بأسئلتهم الفضولية..تكره نفسها..و انتماءها إلى تلك العائلة التي نبذتها و أجبرتها على عيش الحياة التي تعيشها الآن..لا تريد أن تتذكر و لا أن تعرف عنهم شيئا..عائلة نفتها و نبذتها..حبيب ظلمها و لم يستمع إليها و لم يسمح لها بأن تشرح له ما حدث..و حياة تستمر في صفعها و بقوة منذ اليوم الذي ولدت فيه..نظرت هزان إلى ساعتها و شهقت بصوت عالي" ياالله..لقد تأخرت" ..حملت حقيبتها و عدلت هيأتها قليلا ثم خرجت مسرعة ..وصلت إلى المطعم الذي تعمل فيه..و ما إن فتحت الباب حتى سحبتها يد مديرتها السيدة نعمت بعنف و أدخلتها إلى المطبخ و هي تصيح" انظري ماذا يكلفنا تأخرك! كل هذه الأطباق المتسخة..هذه آخر مرة أسمح لك بالقدوم متأخرة إلى العمل..سأطردك و أرتاح منك في المرة القادمة" ضغطت هزان بأظافرها داخل كفها حتى أدمته و لم تجب..بل خلعت معطفها و انطلقت تغسل الأطباق في صمت يشبه صمت الأموات..عجزت عن منع دموعها من الإنهمار على خديها..معاناة يومية ..ذل..مهانة..احتقار..و بؤس لا ينتهي..مررت ظهر يدها على وجهها و مسحت عبراتها السخية..قطع صوت رنين هاتفها موجة بكاءها..نشفت يديها و أخذت هاتفها ذي الشاشة المحطمة من جيبها..لم تستطع رؤية اسم المتصل..أجابت فورا" ألو" قال صوت على الطرف المقابل" مرحبا آنسة هزان..أنا إيلكار جانان..محامي عائلتك..يؤسفني إخبارك أن والدك قد فارق الحياة ليلة البارحة..و أنت مدعوة لحضور مراسم الدفن و العزاء حسب وصية المرحوم..إضافة إلى ضرورة تواجدك أثناء فتح الوصية" صمتت هزان و لم تدري ماذا تقول..مشاعر مختلطة انتابتها فجأة..أمام صمتها أضاف المحامي" أعطني عنوانك و سأرسل لك سيارة تصطحبك إلى هنا"
أنت تقرأ
المنبوذة
Romanceهي فتاة في الخامسة و العشرين من عمرها..لطالما كانت مكروهة و منبوذة من قبل أهلها..و من قبل الحياة أيضا..خمس سنوات قضتها منفية..بعيدة عن عائلتها..و عنه..و اليوم..عادت..لتجد أن كل شيء تغير..لكن ظلم الحياة لها مازال مستمرا..فليس أقسى من أن تجد أن حبيبك...