الفصل الاول

12.8K 654 111
                                    

( روايه بقلم رونا فؤاد....ممنوع تماما نقل الروايه أو نشرها في أي منصه أو صفحه حتي لو بأسمي حيث أن حقوق النشر لجميع رواياتي مسجله حصري ولا تقوم بنشرها الا علي صفحتي أو مدونتي الخاصه ومن يفعلها يعرض نفسه للمسائله )
تهادت المرأتان بمشيتهما وقد حملت كل منهما بضعه اكياس بها مشترواتهما من السوق الممتد علي جانب الارض الزراعيه التي طوقت الجانبين
ليمتزج صوت ضحكتهم مع حديثهم
بينما تقول إحداهما للاخري: والله وليكي وحشه يا سهير
ربتت الأخري علي ذراعها وهي تتابع مشيها : ده انتي اللي ليكي وحشه يا سيده ....ايه يابت كده تسافري وتقولي عدو لي ؟!
ضحكت سيده قائله : اهو يابت اعمل ايه ...كل ما اقول لكرم امي وحشتني وعاوزة اسافر اشوفها كام يوم يقولي بعدين واليوم يجر التاني لغايه ما أمه تعبت وكلموه وقتها مكدبش خبر ورجعنا علي طول
وكزت إحداهما الأخري وتوقفت مكانها بينما تشير الي الجانب الآخر وتقول بحاجب مرفوع : بت يا سهير هي مش دي البت احسان الغلبانه .....؟!
تمطأت المرأه الأخري بشفتيها واطلقت ضحكه ساخره بينما تكاد عيناها تأكل المدعوه أحسان التي رسمت عباءتها ذات اللون الزهري تفاصيل جسدها البض وقد لمع فوق صدرها عقد ذهبي عريض مجدول بالوحدات الدائرية وقد انعكست عليه اشعه الشمس لتزيد من بريقه كما أصدرت اصوات الاساور الذهبيه الكبيرة بيدها صوت يطرب الاذان : غلبانه .!! ده ه انتي اللي بقيتي غلبانه
بصي يااختي عليها بقت عامله ازاي ؟!
اكلتها سيده بعيون حاقده بينما تنظر إلي سهير باستفهام : ايه اللي غير حالها كده .... دي كانت مش بتغير الجلابيه ولا عمرها كانت تعرف الدهب ولا لبسته
قالت سهير وهي تتابع نظرات سيده تجاه الفتاه التي كانوا دوما يتعالون عليها لأنهم من عائلات اغني بينما هي ابنه رجل بسيط يعمل بالاجره اليوميه : ومتتغيرش ليه .... هادي الفلوس جريت في ايده وهي يااختي كل يوم عن التاني تاخد بالها من نفسها اكتر ...لبس ودهب من وقت ما اتجوزها
توقفت سيده مكانها والتفتت الي سهير بعدم تصديق ممزوج بالاستنكار الشديد : بتقولي ايه يابت .... هادي...؟!
اتجوز دي ؟!
اومات سهير  وهي تتشدق بشفتيها بامتعاض : شوفي البخت لما يسعد ...!
عقدت سيده حاجبيها هاتفه باستفهام وعدم تصديق : اتجوزها علي شروق ؟!
اومات سهير وهي تضحك ساخره : أيوة يااختي وكلها كام شهر وكان مطلق شروق والجو خلي لبنت عليوة
هزت سيده راسها بدهشه لما تستمع له ليأكلها الفضول : وطلقها ليه ؟!
قالت سهير وهي مازالت تتشدق بشفتيها : محدش عارف بس بيقولوا عشان مخلفتش
قالت سيده بغيرة : بس اهي برضه البت احسان محملتش مش كده ؟
اومات سهير  : اه مسمعناش أنها حبلي
رفعت سيده حاجبها الرفيع متسائله بفضول : ومطلقهاش هي كمان ليه ؟!
تابعت المرأتان حديثها الفضولي الي أن وصلا الي منزلهما بينما تابعت أحسان هي الأخري طريقها لتدير راسها يمينا ويسارا قبل أن تسرع بخطواتها الي ذلك المنزل المكون من طابقين وتطرق الباب علي الشقه الوحيده بالطابق الأرضي والتي تصاعدت رائحه الدخان منها بقوة ما أن انفتح الباب
لتهتف احسان بصوت لهيف ما أن خرجت لها تلك المرأه ذات الوجه المتكدر : عملتي ايه في العمل اللي هيخليني أحمل !!
لوت المراه شفتيها وجذبت ذراع احسان الي الداخل تزجرها : طيب ادخلي الاول
هتفت احسان بنفاذ صبر : ردي عليا يا قدورة عملتي ايه ؟!
سخرت المراه وهي ترفع حاجبها : كنت نفعت نفسي ؟!
عقدت احسان حاجبيها باستنكار : انتي بتقولي ايه ؟!
قالت قدورة وهي تجلس علي الاريكه وتربع ساقيها أسفلها : بقول الحقيقه كنت نفعت نفسي وحملت وجبت حته عيل
زمت احسان شفتيها بحنق شديد هاتفه : امال ايه ياوليه اللي عماله تضحكي عليا بيه
رفعت قدورة اصبعها أمام احسان توقفها بتحذير : لا ...لا ....اوعي تقولي كده ....لوت شفتيها ساخره بينما تتابع : ال بضحك عليكي ال .....يااختي بصي لنفسك وشوفي انتي كنتي فين وبقيتي فين !!
نظرت احسان إليها بسخط : عملتي ليا ايه ....انا عاوزة احمل
هزت المراه كتفها بثقه هاتفه : قولتلك مش في أيدي ....اللي في أيدي بعمله ليكي ومتقوليش عملتي ايه
....انا عملت ليكي العمل اللي خلي هادي يتجوزك و عملت اللي خلاه مش طايق مراته وطلقها وعملت اللي مخلي حماتك راضيه عنك وبعملك اللي مخليه زي الخاتم في صباعك ... ولسه ولسه ولسه ... رفعت حاجبها وتابعت بتحذير : يبقي متقوليش عملتي ايه وتبقي ناكره للجميل احسن ازعل منك !
تنهدت احسان بخزلان وارتمت علي المقعد خلفها هاتفه بتوق شديد : بس انا عاوزة اخلف عشان اثبت أقدامي في البيت اكتر
وضعت قدورة المزيد من البخور امامها لتتكاثف سحب الدخان بينما تتابع : هغنيهالك ....قولتلك مش بتاعتي
دي بتاعه ربنا
هتفت احسان بسخط : والعفاريت بتوعك
ضحكت قدورة ساخره : ابقي كدابه لو قولتلك يقدروا ...
مالت ناحيتها وسألتها : سيبك بقي من الحبل وقوليلي مالك ....اشمعني جايه النهارده ملهوفه ومفيش علي لسانك الا الحبل ....يابت ارضي باللي انتي فيه احسن يزول ما انتي عايشه زي الفل
هزت احسان راسها ولاح الحقد في نبرتها بينما تقول : نشوي أخته قربت تولد وهتجيب الواد وأمه طايره من الفرحه وهو كل يوم والتاني رايح جاي يجيب هدوم ولعب ودهب للواد وأمه وانا ناري قايده وبتمني اكون انا مكانها .....كورت قبضتها بحقد شديد بينما تتابع : نار يا قدورة ....نار قايده جوايا وكل يوم بدعي ربنا ياخدها هي واللي في بطنها
اراحت قدورة ظهرها الي المسند خلفها بينما تسألها ببرود : للدرجه دي غيرانه منها
اومات احسان : اوي ونفسي متفرحش ابدا بالواد ده
ضحكت قدورة قائله بثقه : سيبهالي دي بقي
نظرت لها احسان ورفعت حاجبها باستفهام : تقدري يا قدورة
ضحكت قدورة بثقه : ادي انتي قولتي قدورة....وانا بقي في الشر بعرف العب كويس اوي
انتي بس هاتي ليا الطلبات دي ومالكيش دعوة بالباقي
فتحت احسان محفظتها الجلديه الكبيرة والمتخمه بالاوراق الماليه لتخرج منه رزمه كبيرة تعطيها لقدورة
قائله : لا خدي انتي الفلوس وهاتي الطلبات
مدت قدورة يدها لتأخذ الأموال هاتفه : من يد ما نعدمها ياسونه ....قلبت الأموال بيدها وتابعت بمكر : بس دول ميكفوش حتي الطلبات
عقدت احسان حاجبيها باستنكار : ميكفوش ايه ....دول خمس الاف جنيه
قالت قدورة وهي تعيد لها الأموال : التي خديهم وهاتي انتي الطلبات
تنهدت احسان واعادت يده قدورة بالمال : خلاص يا قدورة قولي عاوزة كام
قالت قدورة بطمع واضح : عاوزة ادهم خمس مرات ده للطلبات بس غير مكافأتي لما يتم المراد
اتسعت عيون احسان : بس ده كتير وانا مش معايا
قالت قدورة وهي ترفع حاجبها : معاكي الخير كله وجيب هادي مليان
اومات احسان بعزم : طيب بس اديني كام يوم كده ادبر الفلوس
قالت قدورة ضاحكه : براحتك وانا عشان بحبك هدفع من جيبي وابدء اشتغل عشان نلحق نوصل للمراد
.........
....
نظرت تلك الشابه ذات الطول الفارع الي ساعتها ذات الإطار الفضي التي زينت معصمها لبضع مرات متنهده بدلاله علي الملل من طول الطريق الذي قضيت به ساعات حاولت أن تشغل نفسها بهم بقراءه كتاب بقي بين يديها ولكن سطوره لم يبقي منها شيء في ذاكرتها .... اخيرا بدأ القطار يعبر بجوار تلك الأراضي الزراعيه وبدء بعض الركاب في الاستعداد للنزول تزامنا مع نداء البعض بقرب المحطه المنشودة ...قامت من مكانها ووقفت بضع لحظات بينما تيبست ساقيها من كثرة الجلوس لتعلق بعدها حقيبه يدها الصغيرة علي كتفها وتتجه الي باب النزول ما أن توقف القطار .... نعم طوال الطريق حاولت شغل نفسها بعيدا عن تلك الأفكار والتساؤلات عن كيف سيكون هذا اللقاء بعد كل تلك السنوات التي ملئت رأسها ولكن الآن أيقنت أن عليها العوده الي تلك الأفكار علي الاقل لترتب حديثها لهذا اللقاء الذي أخذت قرارها بالذهاب إليه دون تفكير ..... نظرت إلي سائق السياره الاجره التي اخذتها من المحطه وحاولت قدر تذكرها وصف العنوان الذي تغير كل شيء بالطريق إليه وأصبحت المعالم التي تحفظها برأسها مجرد طيف وقد تغير كل شيء حولها ..... أوقف السائق السياره جانبا لتسأله بلهفه : وصلنا يااسطي
هز الرجل رأسه قائلا : لا يا استاذه ...انا هنزل القهوة دي اسأل عن البيت اللي بتقولي عنه
اتجه الي الجالسون علي ذلك المقهي ليسأل أحدهم ويبدو أنه وصل إلي مبتغاه ليعود للتحرك ومعه تبدأ دقات قلب وصال في التزايد بينما يهتف وهو يشير بيداه: خلاص يا استاذه البيت اخر الشارع اللي هناك ده
أدارت راسها حولها وهي تتساءل متي تغير كل هذا أو بالاحري متي مرت كل تلك السنوات ....عشر أعوام وأكثر لم تطأ قدمها هذا المكان !
أدارت رأسها بسرعه تجاه ذلك المكان الذي دفع بالحنين الي دماءها بينما جلست كثيرا بقرب ذلك المجري المائي لتلوح ابتسامه باهته علي شفتيها تماما كما حال بهتان ذكرياتها عن تلك الأيام ...!
........
....
خلعت احسان طرحتها وجذبتها من حول عنقها وهي تتنهد أن لدي عودتها لم يكن أحد بالمنزل ....لم تعود حماتها ولا زوجها من زياره أخته بالمدينه المجاورة !
لوت شفتيها بسخط وهي تفكر بأن حماتها لن تترك مناسبه الا وتتشدق برغبتها في حفيد لابنها كما حال ابنتها ....زفرت بضيق حينما انشبك طرف الطرحه الحريريه بقفل أحد السلاسل الذهبيه التي ترتديها لتلوي شفتيها بحنق وتجذب الطرحه بعنف فتقع السلسله منشطره قطعتين بيدها لينفلت السباب من بين شفتيها وهي تدخل الي الغرفه تتبرطم علي سيرة اخت زوجها : بنت الملكومه!
ابتلعت كلماتها كما كادت تبتلع لسانها حينما وجدت زوجها امامها لتتطلع إليه بفزع : هادي !
استدار ذلك الرجل ذو القامه المديده وهو يترك من يداه عباءته التي خلعها من فوق كتفه بينما يتطلع إليها باستفهام لاح علي ملامحه ذات النظرات البارده الممزوجه بخشونه محببه وهو يسألها بصوت رخيم : كنتي فين ؟!
قالت وهي تخفي تعلثمها بينما تتجه إليه تخلع عنه سترته : كنت بجيب شويه حاجات ؟
نظر إليها بنفس الاستفهام وهو لا يراها تحمل شيء بيدها : حاجات ايه ؟
قالت احسان سريعا وهي تمد يدها إليه بالسلسه الذهبيه ويسعفها عقلها لعمل سيناريو يغطي به عن خروجها دون أخباره : السلسه اتقطعت .... رسمت ملامح الضعف علي وجهها بينما تهتف متابعه : غصب عني والله يااخويا شبكت وانا بنضف اوضه امي حميده فقولت اروح للصايغ اصلحها احسن تزعل مني اني محافظتش علي حاجه انت جايبها ليا ....
ازدادت ملامح الضعف علي وجهها بينها تتابع بقله حيله مصطنعه : قالي مينفعش تتصلح قولت اغيرها بواحده غيرها بس ملقتش حاجه في وزنها والسلسله اللي عجبتني كانت اغلي بكتير فرجعت
نظرت إلي ملامحه بخبث وتابعت وهي تخفض عيناها الي الأرض سريعا : وقولت لما احوش قرشين من مصروفي ابقي اكمل واجيبها
لم تتغير ملامح هادي التي تتناسب تماما مع اسمه فهو شخص بملامح هادئه لا تعكس تفكيره أو انفعالاته التي لا يضطر إليها كثيرا بينما يصل إلي ما يريده بمجرد نظره حازمه من حده عيناه .... أدخل يداه الي جيب سترته الداخلي ليخرج منها مفاتيحه ويتجه الي الخزانه الحديديه الموجوده بجانب الغرفه قائلا بهدوء نبرته المعتاده وملامحه الجامده التي لا تعطي اي انطباع عما يفكر به وهو يخرج بضع رزم ماليه يضعهم علي الطاوله :
خدي ابقي هاتي اللي نفسك فيه
تهلل وجه احسان التي وصلت إلي مبتغاها كما تصل دوما معه وهي تتبع أقصر الطرق التي تعلمتها بوجودها في هذا المنزل وهو الطاعه التامه وابداء الخنوع والضعف وقله الحيله أمام زوجها وعائلته التي تبدع في تصويرهم أنهم ماء الحياه بالنسبه إليها لتقترب منه بجسدها البض وبحراره تتلمس صدره العريض بينما تهتف به بتبجيل :
ربنا يخليك ليا يا سيد الرجاله
نظر لها بطرف عيناه نفس النظره الخاليه المعتاده منه والتي لم تتعب نفسها بتفسيرها مادامت تصل إلي ما تريد فلماذا تشغل تفكيرها بنظراته أو كلماته أو ملامحه التي لاتريد منها إلا البقاء هادئه بينما ثوران تلك الملامح طوفان لا تتمني ابدا الوقوف أمامه .... أصدرت اساروها الذهبيه صوت عالي بينما تحرك يدها يمينا ويسارا وهي تسرع تخرج له ملابسه وتنحني لتخلع عنه حذاءه كما عودته لتلوح بملامحها نظرات الدهاء وهي تصوغ بداخلها طلبها التالي ولكنها ليست غبيه لتخبره به الآن فهاهي أطعمته بيدها واسرعت لتقف له بالمنشفه بينما يغسل يداه لتتجه وهي تحمل طبق الفاكهه وتجلس بجواره علي طرف الفراش تقطع له قطع التفاح وتضعها بفمه والان الوقت مناسب لتبدء حديثها بزيف نبرتها وهي ترسم عليها التأثر
: البيت مالوش طعم من غير امي حميده ....مكنش ليك حق ترجع من غيرها
قال هادي بفتور اعتادته بينما بالكاد يتحدث بضع كلمات معها : صممت تفضل مع نشوي
صكت اسنانها ببعضهم من الغل الذي ينشب في عروقها من مجرد سماعها لاسم اخت زوجها : خير يااخويا هي تعبانه ولا حاجه بعد الشر عنها
هز رأسه وقال باقتضاب : لا
اومات ولم تطيل في السؤال لتميل ناحيته بينما تمرر يدها برقه فوق عضلات صدره وهي تقول بصوت ضعيف: ابويا قالك الواد محمود اخويا عمل ايه النهارده
هز رأسه : لا ...عمل ايه ؟
قالت بالمزيد من الاسهاب والضعف : ساب الشغل وامي مقطعه نفسها من العياط وابويا الحسره اكلت قلبه
لوت شفتيها وتابعت بجهل : ال ايه مصمم يدخل الجامعه ...لهو اللي دخلوا الجامعه كانوا بقوا ايه ولا بيقبضوا كام ....ابويا هيتجنن وماصدق يشغله واهو ساب الشغل وبيقول هيشتغل بشهادته
زادت من وتيره حراره لمساتها بينما تتطلع له بعيون راجيه : ماتشغله عندك ياهادي ...اهو احسن من شغله عند الغريب
رفع إليها عيناه كما رفع حاجبه وهو يقول بملل :
انتي قولتي انه مش عاوز يشتغل ؟!
ابتلعت ببطء وخفضت عيناها التي لا يحتاج هادي لقراءه ما تريده بنظراتها فسرعان ما كان يقوم من جوارها وهو يقول باقتضاب : قولي لابوكي يسيبه يدخل الجامعه وانا هبقي ابعت له ماهيه كل شهر كأنه بيشتغل
تهللت ملامحها لتهب خلفه وتحتضنه من ظهره مغرده بالامتنان : تسلم يا سيد الرجاله ...ربنا يخليك ليا يا سندي وضهري وراجلي ...!
اتجه هادي الي شرفه الغرفه الواسعه تاركا تلك التي تنشد الاشعار في رجولته بينما يدرك طبعها جيدا كما يدرك أنها ذكيه في تملقه وكأي رجل لا ينكر انها تنال من غرور ذكورته ولكن مبالغتها لا تستهويه لذا يكتفي بأنها تريحه فلا يتعمق كثيرا في مبرراتها ....فقط يرتاح جسده بجانبها فهي لا تفتعل اي خلاف او جدال معه أو مع عائلته بل تكاد تفترش لهم نفسها كالبساط اسفل أقدامهم وهو يكافأها بحياه رغيده معه تتطلع لها دوما ....ليست امرأه تطلب منه حديث أو مشاعر وتقبل بل تتشوق لقربه وقتما يريد وكيفما يريد و تغالي في وصف قربه منها .... فهي انثي تكتفي باستخدام أنوثتها لتنال ما تريد دون أن ترهق عقله أو قلبه بأي متطلبات بينما جيبه يفي بالغرض ومادامت مخلصه له وطائعه وليست لها أي طلبات لا يستطيع توفيرها إذن فهو متصالح جدا مع طباعها ولا يلومها لمحدوديه تفكيرها الذي يختصر علاقتها به بتلك الطريقه ...
مر عام وأكثر ببضعه أشهر منذ زواجه بها وسرعان ما تأقلم مع فهمه لها كما تاقلمت علي طبعه منذ أول يوم ولما لا وهي لم تكن تفارق هذا المنزل فقد كانت صديقه زوجته ...!
مد يداه الي قداحته الذهبيه واشعل بها سيجارته لينفث دخانها في الفراغ الواسع المممتد أمامه لتلك الارض الزراعيه المحيطه بالمنزل الكبير الذي يزداد كبرا كل بضعه أعوام مع زياده أمواله وأعماله ... نفث المزيد من دخان سيجارته واغمض عيناه ينشد الهدوء حوله بينما خلي من كل شيء الا صوت حفيف الاشجار حوله
تغيرت ملامحه بينما تهادت تلك الرائحه الي انفه لتداعبه ويجد نفسه يستنشق المزيد منها ....تلك الرائحه التي لا يغفل عنها .. رائحه مسك الليل ....!!
مجددا كرر الاسم بينه وبين نفسه مسك الليل !
لترتسم ابتسامه هادئه علي شفتيه ممزوجه بحنين
جعل قلبه الراقد بين جنبات صدره يدق الي قبل سنوات طويله لم يعد يعدها منذ وقت طويل وقد أخذته دوامه الحياه بعد أن اقسم الا تقف !
ليسحب المزيد من تلك الرائحه بانفاسه ويغمض عيناه باستمتاع لتلك المشاعر الهادئه التي مازالت تداعب قلبه بين الحين والآخر وكأنه يذكر نفسه بوجود شيء اسمه مشاعر لم يعترف بوجودها قبلها ولم يعد يعترف بها بعدها ....!
ربما الان في لحظه صفاءه يترك الحنين يداعب قلبه ولكنه ما أن يفتح عيناه سيخرس تلك المشاعر كما اخرسها من قبل وتابع حياته التي اقسم أنها لن تقف عليها ولا علي غيرها فلماذا يعترف بالنقص بينما هو حقق الكثير ....!
تزوج بدلا منها واحده ...اثنان ....ثلاثه !!
الأولي .....كانت تلك التي تكون اي اختيار للإنسان ليتجاوز باختياره افتقاد سابقتها ودوما ما تكون اختيار خاطيء ....!
الثانيه كانت شروق تلك التي ظنها نسخه منها وطلب زواجها الذي رحبت به عائلتها ولم تسأل عن شهاده بالرغم من شهادتها العاليه بل هللوا واقاموا الافراح بنصيب ابنتهم الذهبي ليخبر نفسه بغروة ذكوري أنه غير منقوص ....اختار من تشبهها ربما شكلا ولكن بقي بداخله فراغ عدم كونها تشبهها حاول أن يتجاهل كثيرا هذا الشعور ولكن مقدار البعد كان يزداد فلا هو يفهمها ولا هي تفهمه وكانت النهايه لتأتي بعد الأولي والثانيه تلك التي لا تشبه اي منهم وتربح معركه صعبه في أن تنال جانبه فهي تريحه من عناء كونها اي شيء لا يريده بل تتشكل دوما كما يحب ويهوي ....فهي انثي طائعه لا ترهقه !

بساط السعاده حيث تعيش القصص. اكتشف الآن